يا معاذ وقل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم ) فقوله حصائد ألسنتهم من تشبيه المركب بالمركب فإنه شبه الألسنة وما تمضي فيه من الأحاديث التي يؤاخذ بها بالمناجل التي تحصد النبات من الأرض وهذا تشبيه بليغ عجيب لم يسمع إلا من النبي .
ومما ورد منه شعرا قول أبي تمام .
( مَعْشَر أصْبَحُوا حَصُونَ الْمَعَالِي ... وَدُرُوعَ الأَحْسَابِ وَالأَعْرَاضِ ) .
فقوله حصون المعالي من التشبيه المركب وذاك أنه شبههم في منعهم المعالي أن ينالها أحد سواهم بالحصون في منعها من بها وحمايته وكذلك قوله دروع الأحساب .
وأما المظهر الأداة فمما جاء منه قوله تعالى ( إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس ) فشبهت حال الدنيا في سرعة زوالها وانقراض نعيمها بعد الإقبال بحال نبات الأرض في جفائه وذهابه حطاما بعدما التف وتكاثف وزين الأرض وذاك تشبيه صورة بصورة وهو من أبدع ما يجيء في بابه .
ومن ذلك أيضا قوله تعالى في وصف حال المنافقين ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ) تقديره أن مثل هؤلاء المنافقين كمثل رجل أوقد نارا في ليلة مظلمة بمفازة فاستضاء بها ما حوله فاتقى ما يخاف وأمن فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره