فإن قيل إن هذا الكاتب تأسى فيما ذكره بكلام الله تعالى حيث قال ( الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ) فمثل نوره بطاقة فيها ذبالة وقال الله تعالى ( والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم ) فمثل الهلال بأصل عذق النخلة .
فالجواب عن ذلك أني أقول أما تمثيل نور الله تعالى بمشكاة فيها مصباح فإن هذا مثال ضربه للنبي ويدل عليه أنه قال ( توقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية ) وإذا نظرت إلى هذا الموضع وجدته تشبيها لطيفا عجيبا وذاك أن قلب النبي وما ألقى فيه من النور وما هو عليه من الصفة الشفافة كالزجاجة التي كأنها كوكب لصفائها وإضاءتها ويما الشجرة المباركة التي لا شرقية ولا غربية فإنها عبارة عن ذات النبي لأنه من أرض الحجاز التي لا تميل إلى الشرق ولا إلى الغرب وأما زيت هذه الزجاجة فإنه مضيء من غير أن تمسه نار والمراد بذلك أن فطرته فطرة صافية من الأكدار منيرة من قبل مصافحة الأنوار فهذا هو المراد بالتشبيه الذي ورد في هذه الآية .
وأما الآية الأخرى فإنه شبه الهلال فيها بالعرجون القديم وذلك في هيئة نحوله واستدارته لا في مقداره فإن مقدار الهلال عظيم ولا نسبة للعرجون إليه لكنه في مرأى النظر كالعرجون هيئة لا مقدارا .
وأما هذا الكاتب فإن تشبيهه ليس على هذا النسق لأنه شبه صورة الحصن بأنملة في المقدار لا في هيئة والشكل وهذا غير حسن ولا مناسب وإنما ألقاه فيه أنه قصد الهلال والقلامة مع ذكر الأنملة فأخطأ من جهة وأصاب من جهة لكن خطؤه غطى على صوابه .
والقول السديد في بلاغة التشبيه هو ما أذكره وهو أن إطلاق من أطلق قوله في أن من شرط بلاغة التشبيه أن يشبه الأصغر بالأكبر غير سديد فإن هذا قول غير حاصر للغرض المقصود لأن التشبيه يأتي تارة في معرض المدح وتارة في معرض الذم وتارة في غير معرض مدح ولا ذم وإنما يأتي قصدا للإبانة والإيضاح ولا يكون تشبيه أصغر بأكبر كما ذهب إليه من ذهب بل القول الجامع في ذلك أن