ولنضرب له مثالا يوضحه فنقول قد ورد عن ابن الرومي في مدح العسل وذمه بيت من الشعر وهو .
( تَقُولُ هذَا مُجَاجُ النَّحْلِ تَمْدَحُهُ ... وَإِنْ تَعِبْ قُلْتَ ذَا قَيْءُ الزَّنَابِيرِ ) .
ألا ترى كيف مدح وذم الشيء الواحد بتصريف التشبيه المجازي المضمر الأداة الذي خيل به إلى السامع خيالا يحسن الشيء عنده تارة ويقبحه أخرى ولولا التوصل بطريق التشبيه على هذا الوجه لما أمكنه ذلك وهذا المثال كاف فيما أردناه .
واعلم أن محاسن التشبيه أن يجيء مصدريا كقولنا أقدم إقدام الأسد وفاض فيض البحر وهو أحسن ما استعمل في باب التشبيه كقول أبي نواس في وصف الخمر .
( وَإذَا مَا مَزَجُوهَا ... وَثَبَتْ وَثْبَ الْجَرَادِ ) .
( وَإذَا مَا شَرِبُوهَا ... أَخَذَتْ أَخْذَ الرُّقَادِ ) .
وقيل إن من شرط بلاغة التشبيه أن يشبه الشيء بما هو أكبر منه وأعظم ومن ههنا غلط بعض الكتاب من أهل مصر في ذكر حصن من حصون الجبال مشبها له فقال هامة عليها من الغمامة عمامة وأنملة خضبها الأصيل فكان الهلال منها قلامة وهذا الكتاب حفظ شيئا وغابت عنه أشياء فإنه أخطأ في قوله أنملة وأي مقدار للأنملة بالنسبة إلى تشبيه حصن على رأس جبل وأصاب في المناسبة بين ذكر الأنملة والقلامة وتشبهها بالهلال