يقال إن التشبيه لا يعمد إليه إلا لضرب من المبالغة فإما أن يكون مدحا أو ذما أو بيانا وإيضاحا ولا يخرج عن هذه المعاني الثلاثة وإذا كان الأمر كذلك فلا بد فيه من تقدير لفظة أفعل فإن لم تقدر فيه لفظة أفعل فليس بتشبيه بليغ ألا ترى أنا نقول في التشبيه المضمر الأداة زيد أسد فقد شبهنا زيدا بأسد الذي هو أشجع منه فإن لم يكن المشبه به في هذا المقام أشجع من زيد الذي هو المشبه وإلا كان التشبيه ناقصا إذ لا مبالغة فيه .
وأما التشبيه المظهر الأداة فكقوله تعالى ( وله الجوار المنشئات في البحر كالأعلام ) وهذا تشبيه كبير بما هو أكبر منه لأن خلق السفن البحرية كبير وخلق الجبال أكبر منه وكذلك إذا شبه شيء حسن بشيء حسن فإنه إذا لم يشبه بما هو أحسن منه فليس بوارد على طريق البلاغة وإن شبه قبيح بقبيح وهكذا ينبغي أن يكون المشبه به أقبح وإن قصد البيان والإيضاح فينبغي أن يكون المشبه به أبين وأوضح فتقدير لفظة أفعل لا بد منه فيما يقصد به بلاغة التشبيه وإلا كان التشبيه ناقصا فاعلم ذلك وقس عليه .
واعلم أنه لا يخلو تشبيه الشيئين أحدهما بالآخر من أربعة أقسام إما تشبيه معنى بمعنى كالذي تقدم ذكره من قولنا زيد كالأسد وإما تشبيه صورة بصورة كقوله تعالى ( وعندهم قاصرات الطرف عين كأنهم بيض مكنون ) وإما تشبيه معنى بصورة كقوله تعالى ( والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة ) وهذا القسم أبلغ الأقسام الأربعة لتمثيله المعاني الموهومة بالصور المشاهدة وإما تشبيه صورة بمعنى كقول أبي تمام .
( وَفَتَكْتَ بِالْمَالِ الْجَزِيلِ وَبِالْعِدَا ... فَتْكَ الصَّبَابَةِ بِالْمُحِبِّ الْمُغْرَمِ ) .
فشبه فتكه بالمال وبالعدا وذلك صورة مرئية بفتك الصبابة وهو فتك معنوي وهذا القسم ألطف الأقسام الأربعة لأنه نقل صورة إلى غير صورة