وأما كونه أوجز فلحذف أداة التشبيه منه وعلى هذا فإن القسمين من المظهر والمضمر كليهما في فضيلة البيان سواء فإن الغرض المقصود من قولنا زيد أسد أن يتبين حال زيد في اتصافه بشهامة النفس وقوة البطش وجراءة الإقدام وغير ذلك مما يجري مجراه إلا أنا لم نجد شيئا ندل به عليه سوى أن جعلناه شبيها بالأسد حيث كانت هذه الصفات مختصة به فصار ما قصدناه من هذا القول أكشف وأبين من أن لو قلنا زيد شهم شجاع قوي البطش جريء الجنان وأشباه ذلك لما قد عرف وعهد من اجتماع هذه الصفات في المشبه أعني الأسد وأما زيد الذي هو المشبه فليس معروفا بها وإن كانت موجودة فيه .
وكلا هذين القسمين أيضا يختص بفضيلة الإيجاز وإن كان المضمر أوجز من المضمر لأن قولنا زيد أسد أو كالأسد يسد مسد قولنا زيد من حاله كيت وكيت وهو من الشجاعة والشدة على كذا وكذا مما يطول ذكره .
فالتشبيه إذا يجمع صفات ثلاثة هي المبالغة والبيان والإيجاز كما أريتك إلا أنه من بين أنواع علم البيان مستوعر الذهب وهو مقتل من مقاتل البلاغة وسبب ذلك أن حمل الشيء على الشيء بالمماثلة إما صورة وإما معنى يعز صوابه وتعمر الإجادة فيه وقلما أكثر منه أحد إلا عثر كما فعل ابن المعتز من أدباء العواق وابن وكيع من أدباء مصر فإنهما أكثرا من ذلك لا سيما في وصف الرياض والأشجار والأزهار والثمار لا جرم أنهما أتيا بالغث البارد الذي لا يثبت على محك الصواب فعليك أن تتوقى ما أشرت إليه .
وأما فائدة التشبيه من الكلام فهي أنك إذا مثلت الشيء بالشيء فإنما تقصد به إثبات الخيال في النفس بصورة المشبه به أو بمعناه وذلك أوكد في طرفي الترغيب فيه أو التنفير عنه ألا ترى أنك إذا شبهت صورة بصورة هي أحسن منها كان ذلك مثبتا في النفس خيالا حسنا يدعو إلى الترغيب فيها وكذلك إذا شبهتها بصورة شيء أقبح منها كان ذلك مثبتا في النفس خيالا قبيحا يدعو إلى التنفير عنها وهذا لا نزاع فيه