والبيت الثاني من الأبيات الحسان التي تتواصف وقد حسن الاستعارة التي فيه أنه جاء ذكر المطر مع البرق .
وبلغني عن أبي الفتح بن جني C أنه شرح ذلك في كتابه الموسوم بالمفسر الذي ألفه في شرح شعر أبي الطيب فقال إنها كانت تبزق في وجهه فظن أن أبا الطيب أراد أنها كانت تبسم فيخرج الريق من فمها ويقع على وجهه فشبهه بالمطر وما كنت أظن أن أحدا من الناس يذهب وهمه وخاطره حيث ذهب وهم هذا الرجل وخاطره وإذا كان هذا قول إمام من أئمة العربية تشد إليه الرحال فما يقال في غيره لكن فن الفصاحة والبلاغة غير فن النحو والإعراب .
وكذلك ورد قول الشريف الرضي .
( إِذَا أَنْتَ أَفْنَيْتَ الْعَرَانِينَ وَالذُّرَى ... رَمَتْكَ اللَّيَالِي مِنْ يَدِ الْخَامِلِ الْغَمْرِ ) .
( وَهَبْكَ اتقَيْتَ السَّهْمَ مِنْ حَيْثُ يُتَّقَى ... فَمَنْ لِيَدٍ تَرْمِيكَ مِنْ حَيْثُ لاَ تَدْرِي ) .
فالعرانين والذرى هما عظماء الناس وأشرافهم كأنه قال إذا أفنيت عظماء الناس رميت من يد الخامل .
وإذا قد بينت أن الاستعارة لا تكون إلا بحيث يطوى ذكر المستعار له فإنها لا تجيء إلا ملائمة مناسبة ولا يوجد فيها مباينة ولا تباعد لأنها لا تذكر مطوية إلا لبيان المناسبة بين المستعار منه والمستعار له ولو طويت ولم يكن هناك مناسبة بين المستعار منه والمستعار له لعسر فهمه ولم يبن المراد منها