لوجود المجاز كان عدم واحد منها سببا لعدمه ألا ترى أنا إذا قلنا لا يوجد الإنسان إلا بأن يكون حيوانا ناطقا فالحيوانية والنطق سبب لوجود الإنسان وإذا عدم واحد منهما بطل أن يكون إنسانا وكذلك كل صفات تكون متقدمة لوجود الشيء فإن وجودها بوجوده وعدم واحد منها يوجب عدمه .
وأما الوجه الثاني فإنه ذكر التوكيد والتشبيه وكلاهما شيء واحد على الوجه الذي ذكره لأنه لما شبهت الرحمة وهي معنى لا يدرك بالبصر بمكان يدخل وهو صورة تدرك بالبصر دخل تحته التوكيد الذي هو إخبار عما لا يدرك بالحاسة بما قد يدرك بالحاسة على أن التوكيد ههنا على وجه ما أورده في تمثيله لا أعلم ما الذي أراد به لأنه لا يؤتى به في اللغة العربية إلا لمعنيين أحدهما أنه يرد أبدا فيما استقري بألفاظ محصورة نحو نفسه وعينه وكله وما أضيف إليها مما استقري وهو مذكور في كتب النحاة وقد كفيت مؤنته الآخر أنه يريد على وجه التكرير نحو قام زيد قام زيد كرر اللفظ في ذلك تحقيقا للمعنى المقصود أي توكيدا والذي ذكره أبو الفتح C تعالى لا يدل على أن المراد به أحد هذين المعنيين المشار إليهما ولا شك أنه أراد به المبالغة والمغالاة في إبراز المعنى الموهوم إلى الصورة المشاهدة فعبر عن ذلك بالتوكيد ولا مشاحة له في تعبيره وإذا أراد به ذلك فهو والتشبيه سواء على ما ذكره ولا حاجة إلى ذكر التوكيد مع ذكر التشبيه .
وأما الوجه الثالث فإنه قال أما الاتساع فهو أنه زاد في أسماء الجهات والمحال كذا وكذا وهذا القول مضطرب شديد الاضطراب لأنه ينبغي على قياسه أن يكون جناح الذل في قوله تعالى ( واخفض لهما جناح الذل ) زيادة في أسماء الطيور وذلك أنه زاد في أسماء الطيور اسما هو الذل وهكذا يجري الحكم في الأقوال الشعرية كقول أبي تمام