القائل رأيت أسدا وهو يريد رجلا شجاعا فإن هذا القول لا يفهم منه ما أراد وإنما يفهم منه أنه أراد الحيوان المعروف بالأسد لكن إذا اقترن بقوله هذا قرينة تدل على أنه أراد رجلا شجاعا اختص الكلام بما أراد ألا ترى إلى قول الشاعر عجل القضيب وأبطأ الدعص فإنه دل عليه من نفس لأن قوله فرعاء إن نهضت دليل على أن المراد هو القد والردف لأن القضيب والدعص لا يكونان لامرأة فرعاء تنهض لحاجتها وكذلك كل ما يجيء على هذا الأسلوب لأن المستعار له وهو المنقول إليه مطوي الذكر .
وكنت تصفحت كتاب الخصائص لأبي الفتح عثمان بن جني فوجدته قد ذكر في المجاز شيئا يتطرق إليه النظر وذلك أنه قال لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا لمعان ثلاثة وهي الاتساع والتشبيه والتوكيد فإن عدمت الثلاثة كانت الحقيقة ألبتة .
فمن ذلك قوله تعالى ( فأدخلناه في رحمتنا ) فهذا مجاز وفيه الثلاثة المذكورة أما الاتساع فهو أنه زاد في أسماء الجهات والمحال اسما وهو الرحمة وأما التشبيه فإنه شبه الرحمة وإن لم يصح دخولها بما يصح دخوله وأما التوكيد فهو أنه أخبر عما لا يدرك بالحاسة بما يدرك بالحاسة تعاليا بالمخبر عنه وتفخيما له إذا صير بمنزلة ما يشاهد ويعاين .
هذا مجموع قول أبي الفتح C من غير زيادة ولا نقص .
والنظر يتطرق إليه من ثلاثة أوجه .
الأول أنه جعل وجود هذه المعاني الثلاثة سببا لوجود المجاز بل وجود واحد منها سببا لوجوده ألا ترى أنه إذا وجد التشبيه وحده كان ذلك مجازا وإذا وجد الاتساع وحده كان ذلك مجازا ثم إن كان وجود هذه المعاني الثلاثة سببا