فتأمل ما أشرت إليه وتدبره حتى تعلم أني ذكرت ما لم يذكره أحد غيري على هذا الوجه .
وإنما سمي هذا القسم من الكلام استعارة لأن الأصل في الاستعارة المجازية مأخوذ من العارية الحقيقية التي هي ضرب من المعاملة وهي أن يستعير بعض الناس من بعض شيئا من الأشياء ولا يقع ذلك إلا من شخصين بينهما سبب معرفة ما يقتضي استعارة أحدهما من الآخر شيئا وإذا لم يكن بينهما سبب معرفة بوجه من الوجوه فلا يستعير أحدهما من الآخر شيئا إذ لا يعرفه حتى يستعير منه وهذا الحكم جار في استعارة الألفاظ بعضها من بعض فالمشاركة بين اللفظين في نقل المعنى من أحدهما إلى الآخر كالمعرفة بين الشخصين في نقل الشيء المستعار من أحدهما إلى الآخر .
واعلم أنه قد ورد من الكلام ما يجوز حمله على الاستعارة وعلى التشبيه المضمر الأداة معا باختلاف القرينة وذاك أن يرد الكلام محمولا على ضمير من تقدم ذكره فينتقل عن ذلك إلى غيره ويرتجل ارتجالا .
فمما جاء منه قول البحتري .
( إِذَا سَفَرَتْ أَضَاءَتْ شَمْسَ دَجْنٍ ... وَمَالَتْ في التَّعَطُّفِ غُصْنَ بَانِ ) .
فلما قال أضاءت شمس دجن بنصب الشمس كان ذلك محمولا على الضمير في قوله أضاءت كأنه قال أضاءت هي وهذا تشبيه لأن المشبه مذكور وهو الضمير في أضاءت الذي نابت عنه التاء ويجوز حمله على الاستعارة بأن يقال أضاءت شمس دجن برفع الشمس ولا يعود الضمير حينئذ إلى من تقدم ذكره وإنما يكون الكلام مرتجلا ويكون البيت .
( إِذَا سَفَرَتْ أَضَاءَتْ شَمْسُ دَجْنٍ ... وَمَالَ في التَّعَطُّفِ غُصْنُ بَانِ )