الفصاحة والبلاغة ألا يظهر المستعار له وإذا أظهر ذهب ما على الكلام من الحسن والرونق ألا ترى أنا إذا أوردنا هذا البيت الذي هو .
( فأَمْطَرَتْ لُؤْلُؤًا مِنْ نَرْجِسٍ وَسَقَتْ ... وَرْداً وَعَضَّتْ عَلَى الْعُنَّابِ بِالْبَرَدِ ) .
وجد عليه من الحسن والرونق ما لا خفاء به وهو من باب الاستعارة فإذا أظهرنا المستعار له صرنا إلى كلام غث وذاك أنا نقول فأمطرت دمعا كاللؤلؤ من عين كالنرجس وسقت خدا كالورد وعضت على أنامل مخضوبة كالعناب بأسنان كالبردد وفرق بين هذين الكلامين للمتأمل واسع .
( فَرْعَاءُ إنْ نَهَضَتْ لِحَاجَتِها ... عجِلَ الْقَضِيبُ وَأَبْطَأَ الدِّعْصُ ) .
فإن هذا البيت لا خفاء بما عليه من الحسن وإذا ظهر فيه المستعار له زال ذلك الحسن عنه لا بل تبدل بضده وليس كذلك التشبيه المضمر الأداة فإنا إذا أظهرنا أداة التشبيه وأضمرناها كان ذلك سواء إذ لا فرق بين قولنا زيد أسد وبين قولنا زيد كالأسد وهذا لا يخفى على جاهل بعلم الفصاحة والبلاغة فضلا عن عالم والمعول عليه في تأليف الكلام من المنثور والمنظوم إنما هو حسنه وطلاوته فإذا ذهب ذلك عنه فليس بشيء ونحن في الذي نورده في هذا الكتاب واقفون مع الحسن لا مع الجواز .
ثم لو تنزلنا معك أيها المعترض عن درجة الحسن إلى درجة الجواز لما استقام لك ما ذكرته وذاك إن إضمار إداة التشبيه ظاهر في قولنا يد أسد أي كالأسد وهو مضمر واحد وأما قول الشاعر فرعاء إن نهضت لحاجتها فإنه لا يضمر فيه أداة التشبيه إلا بعد أن يظهر المستعار له وحينئذ يكون فيه إضماران أحدهما المستعار له والآخر أداة التشبيه وإضمار واحد أيسر من إضمارين أحدهما معلق على الآخر وإذا كان الأكر كذلك فالفرق بين الاستعارة والتشبيه هو ما قدمت القول فيه من أن الاستعارة لا تكون إلا بحيث يطوى ذكر المستعار له