الطيف لا يدخل الجفن وإنما يتخيل إلى النفس وهذا كلام من لم يطعم من شجره الفصاحة والبلاغة وليس مثله عندي إلا كما يحكى عن ملك الروم إذ أنشد عنده بيت المتنبي الذي هو .
( كأنَّ الْعِيسَ كَانَتْ فَوْقَ جَفْنِي ... مُنَاخَاةً فَلَمَّا ثُرْنَ سَالاَ ) .
فسأل عن المعنى ففسر له فقال ما سمعت بأعذب من هذا الشاعر أرأيت من أناخ الجمل على عينه لا يهلكه .
ومن محاسن هذا القسم قول بعضهم .
( تَخَيَّرَهُ اللهُ مِنْ آدَمٍ ... فَمَا زَالَ مُنْحَدِراً يَرْتَقِي ) .
وكذلك قول الآخر .
( بِأَبِي غَزَالٌ غَازَلْتْهُ مُقْلَتِي ... بَيْنَ الْغُوَيْرِ وَبَيْنَ شَطَّيْ بَارِقِ ) .
( عَاطَيْتُهُ وَاللَّيْلُ يَسْحَبُ ذَيْلَهُ ... صَهْبَاءَ كَالْمِسْكِ الْفَتِيقِ لِنَاشِقِ ) .
( وَضَمَمْتُهُ ضَمَّ الْكَمِيِّ لِسَيْفِهِ ... وَذُؤَابَتَاهُ حَمَائِلٌ فِي عَاتِقِي ) .
( حتَّى إِذَا مَالَتْ بِهِ سِنَةُ الْكَرَى ... زَحْزَحْتُهُ شَيْئاً وَكَانَ مُعَانِقِي ) .
( أبْعَدْتُهُ عَنْ أضْلُعٍ تَشْتَاقُهُ ... كَيْ لاَ يَنَامَ عَلَى وَسَادٍ خَافِقِ ) .
وهذا من الحسن والملاحة بالمكان الأقصى ولقد خفت معانيه على القلوب حتى كادت ترقص رقصا والبيت الأخير منه هو الموصوف بالإبداع وبه وبأمثاله أقرت الأبصار بفضل الأسماع .
ومن هذا الضرب قول بعض المصريين يهجو إنسانا يقال له ابن طليل احترقت داره