وفي هذا معنيان غريبان أحدهما أن هذه السحب تخص الربا دون الوهاد والآخر أن رعودها قبل بروقها وكل ذلك يتفطن له بالمشاهدة .
ومن ذلك ما ذكرته في فصل من كتاب فقلت إذا تخلق المرء بخلق البأس والندى لم يخف عرضه دنسا كما أن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل نجسا .
وهذا المعنى مبتدع لي وهو مستخرج من الحديث النبوي في قوله ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا ) .
ومن ذلك ما ذكرته في وصف مفازة فقلت مفازة لا توطأ بأجفان ساهر ولا تقتل باقتحام خابر ولولا مسير الهلال من فوقها لما عرفت تمثال حافر .
ومن ذلك ما ذكرته في كتاب أصف فيه نزول العدو على حصار بلد من بلاد المكتوب عنه وكان ذلك في زمن الشتاء فسقط على العدو ثلج كثير صار به محصورا فقلت وقد عاجله قتال البروق قبل البوارق وأحاط به الثلج فصار خنادق تحول بينه وبين الخنادق والشتاء قد لقي عسكره من البرد بعسكره والسماء قد قابلته بأغبر وجهها لا بأخضره والأرض كأنها قرصة النقي وعسى أن تكون أرض محشره .
والمعنى المخترع من هذا الكلام قولي والأرض كأنها قرصة النقي وعسى أن تكون أرض محشره وهو مستخرج من الحديث النبوي في قوله ( إنكم تحشرون على أرض بيضاء كقرصة النقي ) يريد الخبزة البيضاء ولما كان الثلج على الأرض مماثلا لذلك ومشابها له استنبطت أنا له هذا المعنى المخترع فجاء كما تراه وهو من المعاني التي يدل عليها شاهد الحل .
وأحسن من هذا كله ما كتبته في فصل من كتاب إلى ديوان الخلافة ببغداد فقلت ودولته هي الضاحكة وإن كان نسبها إلى العباس وهي خير دولة أخرجت للزمن كما أن رعاياها خير أمة أخرجت للناس ولم يجعل شعارها من لون الشباب