إلا تفاؤلا بأنها لا تهرم وأنها لا تزال محبوة من أبكار السعادة بالحب الذي لا يسلى والوصل الذي لا يصرم وهذا معنى استنبطه الخادم للدولة وشعارها وهو مما لم تخط به الأقلام في خطها ولا أجالته الخواطر في أفكارها .
وغرابة هذا المعنى ظاهرة ولم يأت بها أحد قبلي .
وبلغني من المعاني المخترعة أن عبد الملك بن مروان بنى بابا من أبواب المسجد الأقصى بالبيت المقدس وبنى الحجاج بابا إلى جانبه فجاءت صاعقة فأحرقت الباب الذي بناه عبد الملك فتطير لذلك وشق عليه فبلغ ذلك الحجاج فكتب إليه كتابا بلغني كذا وكذا فليهن أمير المؤمنين أن الله تقبل منه وما مثلي ومثله إلا كابني آدم إذا قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر فلما وقف عبد الملك على كتابه سري عنه .
وهذا معنى غريب استخرجه الحجاج من القرآن الكريم وهو من المعاني المناسبة لما ذكرت فيه ويكفي الحجاج في فطانة الفكرة أن يكون عنده استعداد لاستخراج مثل ذلك .
وأما المعاني التي تستخرج من غير شاهد حال متصورة فإنها أصعب مثالا مما يستخرج بشاهد الحال ولأمر ما كان لأبكارها سر لا يهجم عل مكامنه إلا جنان الشهم ولا يفوز بمحاسنه إلا من دق فهمه حتى جل عن دقة الفهم وللهجوم على عذارى المعاني المحمية بحجب البواتر أيسر من الهجوم على عذارى المعاني المحمية بحجب الخواطر وما ذلك مما يلقيه إليك الأستاذ وليس يقوم به إلا الفذ ولا أقول الأفذاذ وأين الذي ينشئ فيحسن فيها الإنشاء ويبرز فيها صورا يركبها كيف يشاء ومن نظر إلى هذا الموضع حق النظر وأخذ فيه بالعين دون الأثر علم أنه مقام يزلق بمعارف الأفهام فكيف بواقف الأقدام وليست المعاني فيه إلا كالأرواح ولا الألفاظ إلا كالأجسام فمن شاء أن يخلق خلقا من الكلام فليأت به على صورة الأناسي لا على صورة الأنعام فإن من القول الغانية التي هي أحسن من الغانية ومنه البهيمة التي لا تشبه إلا بالسانية .
فمما جاء في هذا الباب قول أبي نواس