( إٍنَّني قاتِلَةٌ مَقْتُولَةٌ ... وَلَعَلَّ اللهَ أنْ يَرْتَاحَ لِي ) .
وهذه الأبيات لو نطق بها الفحول المعدودون من الشعراء لاستعظمت فكيف امرأة وهي حزينة في شرح تلك الحال المشار إليها .
واعلم أنه قد يستخرج من المعنى الذي ليس بمبتدع معنى مبتدع .
فمن ذلك قول الشاعر المعروف بابن السراج في الفهد .
( تَنَافَسَ اللَّيْلُ فِيهِ وَالنَّهَارُ مَعَاً ... فَقَمَّصَاهُ بِجِلْبَابٍ مِنَ المُقَلِ ) .
وليس هذا من المعاني الغريبة ولكنه تشبيه حسن واقع في موقعه .
وقد جاء بعده شاعر من أهل الموصل يقال له ابن مسهر فاستخرج من هذا البيت معنى غريبا فقال .
( وَنَقَّطَتْهُ حِبَاءً كَيْ يُسَالِمَها ... عَلَى المَنَايَا نِعَاجُ الرَّمْلِ بِالْحَدَقِ ) .
وهذا معنى غريب لم أسمع بمثله في مقصده الذي قصد من أجله وقليلا ما يقع هذا في الكلام المنظوم والمنثور وهو موضع ينبغي أن توضع اليد عليه ويتنبه له وكذلك فلتكن سياقة ما جرى هذا المجرى .
وقد جاءني شيء من ذلك في الكلام المنثور .
فمن ذلك ما ذكرته في وصف نساء حسان وهو أقبلت ربائب الكناس في مخضر اللباس فقيل إنما يخترن الخضرة من الألوان ليصح تشبيههن بالأغصان .
وهذا معنى غريب وربما يكون قد سبقت إليه إلا أنه لم يبلغني بل ابتدعته ابتداعا .
ومن ذلك ما ذكرته في فصل من كتاب يتضمن منازلة بلد فذكرت القتال بالمنجنيق وهو فنزلنا بمرأى منه ومسمع واستدرنا به استدارة الخاتم بالإصبع ونصبت المنجنيقات فأنشأت سحبا صعبة القياد مختصة بالربا دون الوهاد فلم تزل تقذف بالسور بوبل من جلمودها وتفجؤه برعودها قبل بروقها وبروق السحب قبل رعودها حتى غادرت الحزن منه سهلا والعامر بلقعا مخلى