فانظر إلى حرف الحاء كيف قد لزمه في كل لفظة من هذه الألفاظ فجاءكما تراءه من الثقل والغثاثة .
واعلم أن العرب الذين هم الأصل في هذه اللغة قد عدلوا عن تكرير الحروف في كثير من كلامهم وذاك أنه إذا تكرر الحرف عندهم أدغموه استحسانا فقالوا في جعل لك جعلك وفي تضربونني تضربوني وكذلك قالوا استعد فلان للأمر فإذا تأهب له والأصل فيه استعدد واستتب الأمر إذا تهيأ والأصل فيه استتبب وأشباه ذلك كثير في كلامهم حتى إنهم لشدة كراهتهم لتكرير الحروف أبدلوا أحد الحرفين المكررين حرفا آخر غيره فقالوا أمليت الكتاب والأصل فيه أمللت فأبدلوا اللام ياء طلبا للخفة وفرارا من الثقل وإذا كان قد فعلوا ذلك في اللفظة الواحدة فما ظنك بالألفاظ الكثيرة التي يتبع بعضها بعضا .
القسم الثالث من المعاظلة أن ترد ألفاظ على صيغة الفعل يتبع بعضها بعضا فمنها ما يختلف بين ماض ومستقبل ومنها ما لا يختلف .
فالأول كقول القاضي الأرجاني في أبيات يصف فيها الشمعة وفيها معنى هو له مبتدع ولم يسمع من غيره وذلك أنه قال عن لسان الشمع إنه ألف العسل وهو أخوه الذي ربي معه في بيت واحد وإن النار فرقت بينه وبينه وإنه نذر أن يقتل نفسه بالنار أيضا من ألم الفراق إلا أنه أساء العبارة فقال .
( بِالنَّارِ فَرَّقَتِ الحَوَادِثُ بَيْنَنا ... وَبِهَا نَذَرْتُ أعُودُ أقتُلُ رُوحِي )