( بِحُرْمَةِ مَا قَدْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَكُم ... مَنَ الْوُدِّ إلاّ عُدْتُمُ بِجَمِيلِ ) .
وهكذا ورد قوله في فوز الذي التي كان يشبب بها في شعره .
( يَا فَوْزُ يَا مُنْيَةَ عَبَّاسِ ... قَلْبي يُفَدِّي قَلْبَكِ الْقَاسِي ) .
( أَسَأْتُ إِذْ أَحْسَنْتُ ظَنِّي بِكْمْ ... وَالْحَزْمُ سُوءُ الظَّنِّ بالنَّاسِ ) .
( يُقْلِقُنِي شَوْقِي فَآتِيكُمُ ... وَالْقَلْبُ مَمْلٌوءٌ مِنَ الْيَأسِ ) .
وهل أعذب من هذه الأبيات وأعلق بالخاطر وأسرى في السمع ولمثلها تخف رواجح الأوزان وعلى مثلها تسهر الأجفان وعن مثلها تتأخر السوابق عند الرهان ولم أجرها بلساني يوما من الأيام إلا ذكرت قول أبي الطيب المتنبي .
( إذَا شَاءَ أنْ يَلْهُو بِلِحْيَةِ أحْمَقٍ ... أَرَاهُ غُبَارِي ثُمَّ قَالَ لَهُ الْحَقِ ) .
ومن ذلك يستطيع أن يسلك هذه الطريق التي هي سهلة وعرة قريبة بعيدة .
وهذا أبو العتاهية كان في عزة الدولة العباسية وشعراء العرب إذ ذاك موجودون كثيرا وكانت مدائحه في المهدي بن المنصور وإذا تأملت شعره وجدته كالماء الجاري رقة ألفاظ ولطافة سبك وليس بركيك ولا واه .
وكذلك أبو نواس وبهذا قدم على شعراء عصره وناهيك بعصره وما جمعه من فحول الشعراء ويكفي منهم مسلم بن الوليد الذي كان فارس الشعر وله الأسلوب الغريب العجيب غير أنه كان يتعنجه في أكثر ألفاظه .
ويحكى أن أبا نواس جلس يوما إلى بعض التجار ببغداد هو وجماعة من الشعراء فاستسقى ماء فلما شرب قال .
( عَذُبَ المَاءُ وَطَابَا ... ) .
ثم قال أجيزوه فأخذ أولئك الشعراء يترددون في إجازته وإذا هم بأبي العتاهية فقال ما شأنكم مجتمعين فقالوا هو كيت وكيت وقد قال أبو نواس .
( عَذُبَ المَاءُ وَطَابَا ... )