فقال أبو العتاهية .
( حَبَّذَا الْمَاءُ شَرَابَا ... ) .
فعجبوا بقوله على الفور من غير تلبث .
وكل شعر أبي العتاهية كذلك سهل الألفاظ وسأورد منه ههنا شيئا يستدل به على سلاسة طبعه وترويق خاطره .
فمن ذلك قصيدته التي يمدح فيها المهدي ويشبب فيها بجاريته عتب .
( أَلاَ مَا لِسَيِّدَتِي مَالها ... تُدِلُّ فأحْمِلُ إِدْلاَلها ) .
( أَلا إنَّ جَارِيَةً لِلإِمَامِ ... قَدْ سَكَنَ الحُسْنُ سِرْبَالَهَا ) .
( لَقَدْ أتْعَبَ اللهُ قَلْبِي بِهَا ... وَأتْعَبَ فِي اللَّوْمِ عُذَّالَهَا ) .
( كأَن بِعَيْنِيَّ فِي حَيْثما ... سَلَكْتُ مِنَ الأَرْضِ تَمْثَالَهَا ) .
فلما وصل إلى المديح قال من جملته .
( أَتَتْهُ الْخِلاَفَةُ مُنْقَادَةً ... إلَيْهِ تُجَرِّرُ أَذْيَالَهَا ) .
( فَلَمْ تَكُ تَصْلُحُ إِلاَّ لَهُ ... وَلَمْ يَكُ يَصْلُحُ إِلاَّ لَهَا ) .
( وَلَوْ رَامَها أحَدٌ غَيْرُهُ ... لَزُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا ) .
( وَلَوْ لَمْ تُطِعْهُ نياتُ الْقُلُوبِ ... لَمَا قَبِلَ اللهُ أَعْمَالَهَا ) .
ويحكى أن بشارا كان شاهدا عند إنشاد أبي العتاهية هذه الأبيات فلما سمع المديح قال انظروا إلى أمير المؤمنين هل طار عن أعواده يريد هل زال عن سريره طربا بهذا المديح ولعمري إن الأمر كما قال بشار وخير القول ما أسكر السامع حتى ينقله عن حالته سواء كان في مديح أو غيره وقد أشرت إلى ذلك فيما يأتي من هذا الكتاب عند ذكر الاستعارة فليؤخذ من هناك .
واعلم أن هذه الأبيات المشار إليها ههنا من رقيق الشعر غزلا ومديحا وقد أذعن لمديحها الشعراء من أهل ذلك العصر ومع هذا فإنك تراها من السلاسه