( وَأَهُلَكَ إِذْ يَحُلُّ الحَيُّ نجْداً ... وَأَنْتَ عَلَى زَمَانِكَ غَيْرُ زَارِ ) .
( شُهُورٌ يَنْقَضِينَ وَمَا شَعَرْنَا ... بِأنْصَافٍ لَهُنَّ وَلاَ سِرَارِ ) .
( فأمَّا لَيْلُهُنَّ فَخَيْرُ لَيْلٍ ... وَأَطْيَبُ مَا يَكُونُ مِنَ النَّهَارِ ) .
ومما ترقص الأسماع له ويرن على صفحات القلوب قول يزيد بن الطثرية في محبوبته من جرم .
( بِنَفْسِيَ مَنْ لَوْ مَرَّ بَرْدُ بَنانِهِ ... عَلَى كَبِدِي كانَتْ شِفَاءً أَنَامِلُهْ ) .
( وَمَنْ هَابَنِي في كلِّ شَيْءٍ وَهِبْتُهُ ... فَلاَ هُوَ يُعْطِينِي وَلاَ أَنَا سَائِلُهْ ) .
وإذا كان هذا قول ساكن في الفلاة لا يرى إلا شيحة أو قيصومة ولا يأكل إلا ضبا أو يربوعا فما بال قوم سكنوا الحضر ووجدوا رقة العيس يتعاطون وحشي الألفاظ وشظف العبارات ولا يخلد إلى ذلك إلا إما جاهل بأسرار الفصاحة وإما عاجز عن سلوك طريقها فإن كل أحد ممن شدا شيئا من علم الأدب يمكنه أن يأتي بالوحشي من الكلام وذاك أنه يلتقطه من كتب اللغة أو يتلقفه من أربابها وأما الفصيح المتصف بصفة الملاحة فإنه لا يقدر عليه ولو قدر عليه لما علم أين يضع يده في تأليفه وسبكه .
فإن مارى في ذلك ممار فلينظر إلى أشعار علماء الأدب ممن كان مشارا إليه حتى يعلم صحة ما ذكرته .
هذا ابن دريد قد قيل إنه أشعر علماء الأدب وإذا نظرت إلى شعره وجدته بالنسبة إلى شعر الشعراء المجيدين منحطا مع أن أولئك الشعراء لم يعرفوا من علم الأدب عشر معشار من علمه .
هذا العباس بن الأحنف قد كان من أوائل الشعراء المجيدين وشعره كمر نسيم على عذبات أغصان وكلؤلؤات طل على طرر ريحان وليس فيه لفظة واحدة غريبة يحتاج إلى استخراجها من كتب اللغة فمن ذلك قوله .
( وَإنِّي لَيُرْضِينِي قَلِيلُ نَوَالِكُمْ ... وَإِنْ كَانَ لاَ أَرْضَى لَكُمْ بِقَلِيلِ )