جملة من عابه أبو عثمان المازني فقال في كتابه في التصريف إن نافعا لم يدر ما العربية وكثيرا ما يقع أولوا العلم في مثل هذه المواضع فكيف الجهال الذين لا معرفة لهم بها ولا اطلاع لهم عليها وإذا علم حقيقة الأمر في ذلك لم يغلط فيما يوجب قدحا ولا طعنا وهذه لفظة معايش لا يجوز همزها بإجماع من علماء العربية لأن الياء فيها ليست مبدلة من همزة وإنما الياء التي تبدل من الهمزة في هذا الموضع تكون بعد ألف الجمع المانع من الصرف ويكون بعدها حرف واحد ولا تكون عينا نحو سفائن وفي هذا الموضع غلط نافع رحمة الله عليه لأنه لا شك اعتقد أن معيشة بوزن فعيلة وجمع فعيلة هو على فعائل ولم ينظر إلى أن الأصل في معيشة معيشة على وزن مفعلة وذلك لأن أصل هذه الكلمة من عاش التي أصلها عيش على وزن فعل ويلزم مضارع فعل المعتل العين يفعل لتصح الياء نحو يعيش ثم تنقل حركة العين إلى الفاء فتصير يعيش ثم يبني من يعيش مفعول فيقال معيوش به كما يقال مسيور به ثم يخفف ذلك بحذف الواو فيقال معيش به كما يقال مسير به ثم تؤنث هذه اللفظة فتصير معيشة .
ومع هذا فلا ينبغي لصاحب هذه الصناعة من النظم والنثر أن يهمل من علم العربية ما يخفى عليه بإهماله اللحن الخفي فإن اللحن الظاهر قد كثرت مفاوضات الناس فيه حتى صار يعلمه غير النحوي ولا شك أن قلة المبالاة بالأمر واستشعار القدرة عليه توقع صاحبه فيما لا يشعر أنه وقع فيه فيجهل بما يكون عالما به .
ألا ترى أن أبا نواس كان معدودا في طبقات العلماء مع تقدمه في طبقات الشعراء وقد غلط فيما لا يغلط مثله فيه فقال في صفة الخمر .
( كَأَنَّ صُغْرَى وَكُبْرَى مِنْ فَوَاقِعِها ... حَصبَاءُ دُرٍّ عَلَى أَرْضٍ مِنَ الذَّهَبِ )