أن أعتبر مخارج حروفها ثم أفتيك بعد ذلك بما فيها من حسن أو قبح لصح لابن سنان ما ذهب إليه من جعل مخارج الحروف المتباعدة شرطا في اختيار الألفاظ وإنما شذ عنه الأصل في ذلك وهو أن الحسن من الألفاظ يكون متباعد المخارج فحسن الألفاظ إذن ليس معلوما من تباعد المخارج وإنما علم قبل العلم بتباعدها وكل هذا راجع إلى حاسة السمع فإذا استحسنت لفظا أو استقبحته وجد ما تستحسنه متباعد المخارج وما تستقبحه متقارب المخارج واستحسانها واستقباحها إنما هو قبل اعتبار المخارج لا بعده .
على أن هذه قاعدة قد شذ عنها شواذ كثيرة لأنه قد يجيء في المتقارب المخارج ما هو حسن رائق .
ألا ترى أن الجيم والشين والياء مخارج متقاربة وهي من وسط اللسان بينه وبين الحنك وتسمى ثلاثتها الشجرية وإذا تركب منها شيء من الألفاظ جاء حسنا رائقا فإن قيل جيش كانت لفظة محمودة أو قدمت الشين على الجيم فقيل شجي كانت أيضا لفظة محمودة .
ومما هو أقرب مخرجا من ذلك الباء والميم والفاء وثلاثتها من الشفة وتسمى الشفهية فإذا نظم منها شيء من الألفاظ كان جميلا حسنا كقولنا فم فهذه اللفظة من حرفين هما الفاء والميم وكقولنا ذقته بفمي وهذه اللفظة مؤلفة من الثلاثة بجملتها وكلاهما حسن لا عيب فيه .
وقد ورد من المتباعد المخارج شيء قبيح أيضا ولو كان التباعد سببا للحسن لما كان سببا للقبح إذ هما ضدان لا يجتمعان .
فمن ذلك أنه يقال ملع إذا عدا فالميم من الشفة والعين من حروف الحلق واللام من وسط اللسان وكل ذلك متباعد ومع هذا فإن هذه اللفظة مكروهة الاستعمال ينبو عنها الذوق السليم ولا يستعملها من عنده معرفة بفن الفصاحة .
وههنا نكتة غريبة وهو أنا إذا عكسنا حروف هذه اللفظة صارت علم وعند