ذلك تكون حسنة لا مزيد على حسنها وما ندري كيف صار القبح حسنا لأنه لم يتغير من مخارجها شيء وذاك أن اللام لم تزل وسطا والميم والعين يكتنفانها من جانبيها ولو كان مخارج الحروف معتبرا في الحسن والقبح لما تغيرت هذه اللفظة في ملع وعلم .
فإن قيل إن إخراج الحروف من الحلق إلى الشفة أيسر من إدخالها من الشفة إلى الحلق فإن ذلك انحدار وهذا صعود والانحدار أسهل .
فالجواب عن ذلك أني أقول لو استمر لك هذا لصح ما ذهبت إليه لكنا نرى من الألفاظ ما إذا عكسنا حروفه من الشفة إلى الحلق أو من وسط اللسان أو من آخره إلى الحلق لا يتغير كقولنا غلب فإن الغين من حروف الحلق واللام من وسط اللسان والباء من الشفة وإذا عكسنا ذلك صار بلغ وكلاهما حسن مليح وكذلك تقول حلم من الحلم وهو الأناة وإذا عكسنا هذه الكلمة صارت ملح على وزن فعل بفتح الفاء وضم العين وكلاهما أيضا حسن مليح وكذلك تقول عقر ورقع وعرف وفرع وحلف وفلح وقلم وملق وكلم وملك ولو شئت لأوردت من ذلك شيئا كثيرا تضيق عنه هذه الأوراق ولو كان ما ذكرته مطردا لكنا إذا عكسنا هذه الألفاظ صار حسنا قبحا وليس الأمر كذلك .
وأما ما ذكره ابن سنان من جريان اللفظة على العرف العربي فليس ذلك مما يوجب لها حسنا ولا قبحا وإنما يقدح في معرفة مستعملها بما ينقله من الألفاظ فكيف يعد ذلك من جملة الأوصاف الحسنة .
وأما تصغير اللفظة فيما يعبر به عن شيء لطيف أو خفي أو ما جرى مجراه فهذا مما لا حاجة إلى ذكره فإن المعنى يسوق إليه وليست معاني التصغير من الأشياء الغامضة التي يفتقر إلى التنبيه عليها فإنها مدونة في كتب النحو وما من كتاب نحو إلا والتصغير باب من أبوابه ومع هذا فإن صاحب هذه الصناعة مخير في ذلك إن شاء أن يورده بلفظ التصغير وإن شاء بمعناه كقول بعضهم .
( لَوْ كَانَ يَخْفَى عَلَى الرَّحْمنِ خَافِيَةٌ ... مِنْ خَلْقِهِ خَفِيَتْ عَنْهُ بَنُو لَبَدِ )