وفي الذي ذكره ما لا حاجة إليه أما تباعد المخارج فإن معظم اللغة العربية دائر عليه لأن الواضع قسمها في وضعة ثلاثة أقسام ثلاثيا ورباعيا وخماسيا والثلاثي من الألفاظ هو الأكثر ولا يوجد فيه ما يكره استعماله إلا الشاذ النادر وأما الرباعي فإنه وسط بين الثلاثي والخماسي في الكثرة عددا واستعمالا وأما الخماسي فإنه الأقل ولا يوحد فيه ما يستعمل إلا الشاذ النادر وعلى هذا التقدير فإن أكثر اللغة مستعمل على غير مكروه ولا تقتضي حكمة هذه اللغة الشريفة التي هي سيدة اللغات إلا ذلك ولهذا أسقط الواضع حروفا كثيرة في تأليف بعضها مع بعض استثقال واستكراه فلم يؤلف بين حروف الحلق كالحاء والخاء والعين وكذلك لم يؤلف بين الجيم والقاف ولا بين اللام والراء ولا بين الزاء والسين وكل هذا دليل على عنايته بتأليف المتباعد المخارج دون المتقارب ومن العجب أنه كان يخل بمثل هذا الأصل الكلي في تحسين اللغة وقد اعتنى بأمور أخرى جزئية كمماثلته بين حركات الفعل في الوجود وبين حركات المصدر في النطق كالغليان والضربان والنقدان والنزوان وغير ذلك مما جرى مجراه فإن حروفه جميعها متحركات وليس فيها حرف ساكن وهي مماثلة لحركات الفعل في الوجود ومن نظر في حكمة وضع هذه اللغة إلى هذه الدقائق التي هي كالأطراف والحواشي فكيف كان يخل بالأصل المعول عليه في تأليف الحروف بعضها إلى بعض على أنه لو أراد الناظم أو الناظر أن يعتبر مخارج الحروف عند استعمال الألفاظ وهل هي متباعدة أو متقاربة لطال الخطب في ذلك وعسر ولما كان الشاعر ينظم قصيدا ولا الكاتب ينشئ كتابا إلا في مدة طويلة تمضي عليها أيام وليال ذوات عدد كثير ونحن نرى الأمر بخلاف ذلك فإن حاسة السمع هي الحاكمة في هذا المقام بحسن ما يحسن من الألفاظ وقبح ما يقبح .
وسأضرب لك في هذا مثالا فأقول إذا سئلت عن لفظة من الألفاظ وقيل لك ما تقول في هذه اللفظة أحسنة هي أم قبيحة فإني لا أراك عند ذلك إلا تفتي بحسنها أو قبحها على الفور ولو كنت لا تفتي بذلك حتى تقول للسائل اصبر إلى