أعطاه من الاخلاق المحمودة واللسان البين بما لم يكن عندهم وكما خصه من البيان بما لم يخصهم به فكذلك يخصه من تلك الاخلاق ومن تلك الدلائل بما يفوقهم ويروقهم فصار باطلاق اللسان على غير التلقين والترتيب وبما نقل اليهم من طبائعه ونقل اليه من طبائعهم وبالزيادة التي أكرمه الله بها أشرف شرفا وأكرم كرما .
وقد علمنا ان الخرس والاطفال اذا أدخلوا الجنة وحولوا في مقادير البالغين والى الكمال والتمام لا يدخلونها الا مع الفصاحة بلسان اهل الجنة ولا يكون ذلك الا على خلاف الترتيب والتدريج والتعليم والتقويم وعلى ذلك المثال كان كلام عيسى بن مريم عليه السلام في المهد وانطاق يحيى عليه السلام بالحكمة صبيا وكذلك القول في ادم وحواء عليه السلام .
وقد قلنا في ذئب اهبان بن أوس وغراب نوح وهدهد سليمان وكلام النملة وحمار عزيز وكذلك كل شيء أنطقه الله بقدرته وسخره لمعرفته ومشيئته وانما يمتنع البالغ من المعارف من قبل أمور تعرض الحوادث وأمور في أصل تركيب الغريرة فاذا كفاهم الله تلك الآفات وحصنهم من تلك المواضع ووفر عليهم الذكاء وجلب اليهم جياد الخواطر وصرف اوهامهم الى التعرف وحبب اليهم التبين وقعت المعرفة وتمت النعمة والموانع قد تكون من قبل الأخلاط الاربعة على قدر القلة والكثرة والكثافة والرفة ومن ذلك ما يكون من جهة سوء العادة وإهمال النفس فعندها يستوحش من الفكرة ويستثقل النظر ومن ذلك ما يكون من الشواغل العارضة والقوى المتقسمة ومن ذلك ما يكون من خرق المعلم وقلة رفق المؤدب وسوء صبر المثقف فاذا صفي الله ذهنه ونقحه وهذبه وثقفه وفرغ باله وكفاه انتظار الخواطر وكان هو المقيد له والقائم عليه والمريد لهدايته لم يلبث ان يعلم وهذا صحيح في الاوهام غير مدفوع في العقول وقد جعل الله الخال أبا وقالوا الناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم .
وقد رأينا اختلاف صور الحيوان على قدر اختلاف طبائع الأماكن وعلى قدر ذلك شاهدنا اللغات والاخلاق والشهوات ولذلك قالوا فلان ابن بجدتها وفلان بيضة البلد يقع ذما ويقع حمدا وقال زياد والله للكوفة أشبه