غدا للحرب رجت الذئاب أن تنال من لحوم أعدائه وفيه نوع آخر من المدح وهو أنه ليس ممن يسرف في القتل طاعة للغيظ والحنق وكقول أبي طالب المأموني في بعض الوزراء ببخارى .
( مغرم بالثناء صب بكب المجد ... يهتز للسماح ارتياحا ) .
( لا يذوق الإعفاء إلا رجاء ... أن يرى طيف مستميح رواحا ) .
وكان تقييده بالرواح ليشير إلى أن العفاة إنما يحضرون له في صدر النهار على عادة الملوك فإذا كان الرواح قلوا فهو يشتاق إليهم فينام ليأنس برؤية طيفهم وأصله من نحو قول الآخر .
( وإني لأستغفي وما بي نعسة ... لعل خيالا منك يلقى خياليا ) .
وهذا غير بعيد أن يكون أيضا من هذا الضرب إلا أنه لا يبلغ في الغرابة والبعد عن العادة ذلك المبلغ فإنه قد يتصور أن يريد المغرم المتيم إذا بعد عهده بحبيبه أن يراه في المنام فيريد النوم لذلك خاصة ومن لطيف هذا الضرب قول ابن المعتز .
( قالوا اشتكت عينه فقلت لهم ... من كثرة القتل نالها الوصب ) .
( حمرتها من دماء من قتلت ... والدم في النصل شاهد عجب ) وقول الآخر .
( أتتني تؤنبني بالبكا ... فأهلا بها وبتأنيبها ) .
( تقول وفي قولها حشمة ... أتبكي بعين تراني بها ) .
( فقلت إذا استحسنت غيركم ... أمرت الدموع بتأديبها ) .
وذلك أن العادة في دمع العين أن يكون السبب فيه إعراض الحبيب أو اعتراض الرقيب ونحو ذلك من الأسباب الموجبة للاكتئاب