حدثني أبو حشيشة قال هجم علي خادم أسود فقال لي البس ثيابك فعلمت أن هذا لا يكون إلا عن أمر خليفة أو أمير فلم أراجعه حتى لبست ثيابي فمضيت معه فعبر بي الجسر وأدخلني إلى دار لا أعرفها ثم اجتاز بي في رواق فيه حجر تفوح منهن رائحة الطعام والشراب فأدخلت منهن إلى حجرة مفروشة وجاءني بمائدة كأنها جزعة يمانية قد نشرت في عراصها الحبرة فأكلت وسقاني رطلين وجاءني بصندوق ففتحه فإذا فيه طنابير فقال لي اختر فاخترت واحدا وأخذ بيدي فأدخلني إلى دار فيها سماعة وفيها رجلان على أحدهما قباء غليظ وعلى الآخر ثياب ملحم وخز فقال لي صاحب الخز اجلس فجلست فقال أكلت وشربت فقلت نعم قال عندنا قلت نعم قال تغني ما نقول لك فقلت له قل فقال تغني بصنعتك .
( يا كثيرَ الإِقبالِ والإنصرافِ ... ومَلولاً ولو أشأ قلت خَافِ ) .
وهو رمل مطلق فغنيته إياه وجعل يطلب مني صوتا بعد صوت من صنعتي فأغنيه ويستعيده ويشرب هو والرجل وأسقى بالأنصاف المختوتة إلى أن صلوا العشاء الآخرة وهم لا يشربون إلا على الصوت الأول لا يريدون غيره ثم أومأ إلي الخادم قم فقمت فقال لي صاحب القباء منهما أتعرفني قلت لا والله قال أنا إسحاق بن إبراهيم الطاهري وهذا محمد بن راشد الخناق والله لئن بلغني أنك تقول إنك رأيتني لأضربنك مائتي سوط انصرف .
فخرجت ودفع إلى الخادم ثلاثمائة دينار فجهدت أن يقبل منها شيئا على سبيل البر فما فعل