الغريض والله فلم أقدر أن أكتمه فقلت نعم قال ما قصته فأخبرته الخبر فضحك وقال سر معي إلى المنزل ففعلت فملأها طيبا وأعطاني دنانير وقال أعطه وقل له يظهر فلا بأس عليه فسرت إليه مسرورا فأخبرته بذلك فجزع وقال الآن ينبغي أن أهرب إنما هذه حيلة احتالها علي لأقع في يده ثم خرج من وقته إلى اليمن فكان آخر العهد به .
قال إسحاق فحدثني هذا المخزومي أن الغريض لما صار إلى اليمن وأقام به اجتزنا به في بعض أسفارنا قال فلما رآني بكى فقلت له ما يبكيك قال بأبي أنت وأمي وكيف يطيب لي أن أعيش بين قوم يرونني أحمل عودي فيقولون لي يا هناه أتبيع آخرة الرحل فقلت له فارجع إلى مكة ففيها أهلك فقال يابن أخي إنما كنت أستلذ مكة وأعيش بها مع أبيك ونحوه وقد أوطنت هذا المكان ولست تاركه ما عشت قلنا له فغننا بشيء من غنائك فتأبى ثم أقسمنا عليه فأجاب وعمدنا إلى شاة فذبحناها وخرطنا من مصرانها أوتارا فشدها على عوده واندفع فغنى في شعر زهير .
( جَرَى دَمْعي فهيَّج لي شُجُونا ... فقلبي يُسْتَجنُّ به جُنونا ) فما سمعنا شيئا أحسن منه فقلنا له ارجع إلى مكة فكل من بها يشتاقك .
ولم نزل نرغبه في ذلك حتى أجاب إليه ومضينا لحاجتنا ثم عدنا فوجدناه عليلا فقلنا ما قصتك قال جاءني منذ ليال قوم وقد كنت أغني في الليل فقالوا غننا فأنكرتهم وخفتهم فجعلت أغنيهم فقال لي بعضهم غنني .
( لقد حَثُّوا الجمالَ لَيهْربُوا ... منّا فلم يَئِلُوا )