أخبر الواثق عن مواضع فساده حينئذ وأبان ذلك له بما فهمه وغنته فريدة عدة أصوات من القديم والحديث كلها يقول فيها بما عنده من مدح لبعضها وطعن على بعض فاستحسن الواثق ذلك وأجازه يومئذ وحباه وجفا مخارقا مدة لما فعله به .
منزلة إسحاق عنده .
أخبرني جحظة قال حدثني ابن المكي عن أبيه قال كان الواثق إذا صنع شيئا من الغناء أخبر إسحاق به وعرضه عليه حتى يصلح ما فيه ثم يظهره .
وقد أخبرني الحسن بن علي عن يزيد بن محمد المهلبي بهذا الخبر فذكر نحو ما ذكرته ها ههنا وفي ألفاظه اختلاف وقد تقدم ذكره وابتدأناه في أخبار إسحاق والأبيات الثانية التي غنى فيها الواثق وإسحاق أنشدنيها علي بن سليمان الأخفش وعلي بن هارون بن علي بن يحيى جميعا عن هارون بن علي بن يحيى عن أبيه عن إسحاق لأعرابي وأنشدناها محمد بن العباس اليزيدي قال أنشدني أحمد بن يحيى ثعلب لبعض الأعراب .
( ألاَ قاتل اللهُ الحمامةَ غُدْوةً ... على الغصن ماذا هَيَّجَتْ حين غَنَّتِ ) .
( فغَنَّتْ بصوتٍ أعجميٍّ فهيَّجتْ ... هَوايَ الذي كانت ضُلوعي أكَنَّتِ ) .
( فلو قَطَرتْ عين امرِئ من صَبابةٍ ... دَماً قطَرتْ عيني دماً وألَمَّتِ ) .
( فما سكتتْ حتى أوَيتُ لصوتها ... وقلتُ أرى هذِي الحمامةَ جُنَّتِ ) .
( ولي زَفَراتٌ لو يَدُمْنَ قتْلنَنِي ... بشوقٍ إلى نادي التي قد تَولَّتِ ) .
( إذا قلتُ هذِي زفرةُ اليوم قد مضتْ ... فمَنْ لي بأُخرَى في غدٍ قد أَظلَّتِ ) .
( أيا مُنْشِرَ الموتَى أعِنِّي على التي ... بها نَهِلَتْ نفسي سَقاماً وعَلَّت ) .
( لقد بَخِلَتْ حتى لَوَ انّي سألتُها ... قَذَى العين من سَافِي الترابِ لضَنَّتِ ) .
( فقلتُ ارْحَلاَ يا صاحبَيَّ فليتنِي ... أرى كلَّ نفس أُعطِيَتْ ما تمنَّت )