سمعته يقول في خطبة له لكل سفر زاد لا محالة فتزودوا من الدنيا إلى الآخرة التقوى وكونوا كمن عاين ما أعد الله له من ثوابه وعقابه فعمل طلبا لهذا وخوفا من هذا ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم وتنقادوا لعدوكم واعلموا أنه إنما يطمئن بالدنيا من وثق بالنجاة من عذاب الله في الآخرة فأما من لا يداوي جرحا إلا أصابه جرح من ناحية أخرى فكيف يطمئن بالدنيا أعوذ بالله أن آمركم بما أنهى نفسي عنه فتخسر صفقتي وتبدو عيلتي وتظهر مسكنتي يوم لا ينفع فيه إلا الحق والصدق فارتج المسجد بالبكاء وبكى عمر حتى بل ثوبه حتى ظننا أنه قاض نحبه فبلغت إلى صاحبي فقلت جددا لعمر من الشعر غير ما أعددناه فليس الرجل بدنيوي ثم إن مسلمة استأذن لنا يوم جمعة بعدما أذن للعامة فدخلنا فسلمنا عليه بالخلافة فرد علينا فقلت له يا أمير المؤمنين طال الثواء وقلت الفائدة وتحدثت بجفائك إيانا وفود العرب فقال يا كثير أما سمعت إلى قول الله D في كتابه ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم ) أفمن هؤلاء أنت فقلت له وأنا ضاحك أنا ابن سبيل ومنقطع به قال أو لست ضيف أبي سعيد قلت بلى قال ما أحسب من كان ضيف أبي سعيد ابن سبيل ولا منقطعا به ثم استأذنه في الإنشاد فقال قل ولا تقل إلا حقا فإن الله سائلك فقلت .
( وَلِيتَ فلم تَشْتُم عليًّا ولم تُخِفْ ... بَرًّيا ولم تتبَع مقالة مُجْرِمِ ) .
( وقلتَ فصدَّقتَ الذي قلت بالذي ... فعلتَ فأَضْحَى راضياً كلُّ مسلم ) .
( ألاَ إنّما يَكْفِي الفتى بعد زَيْغه ... من الأوَدِ الباقي ثِقَافُ المقَوِّم ) .
( لقد لبِستْ لبْس الهَلُوكِ ثيابَها ... وأَبْدتْ لك الدنيا بكفَ ومِعْصَم )