فتفاوضنا حديث المغنين حتى انتهوا إلى أن حكى إسحاق قول عمر بن أبي خليفة إذا تمعبد ابن سريج كان أحسن الناس غناء فقال إبراهيم لإسحاق حاشاك يا أبا محمد أن تقول هذا فقد رفع الله علمك وقدر ابن سريج عن مثل هذا القول وأغنى ابن سريج بنفسه عن أن يقال له تمعبد وماكان معبد يضع نفسه هذا الموضع وكيف ذلك وهو إذا أحسن يقول أصبحت اليوم سريجيا وما قد أنصف أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي معبدا في هذا القول لأن معبدا وإن كان يعظم ابن سريج ويوفيه حقه فليس بدونه ولا هو بمرذول عنده وقد مضى في صدر الكتاب خبر ابن سريج لما قدم المدينة مع الغريض ليستمنحا أهلها فسمعاه وهو يصيد الطير يغني لحنه .
( القَصْرُ فالنخل فالجَمَّاءُ بينهما ... ) .
فرجع ابن سريج ورد الغريض وقال لا خير لنا عند قوم هذا غناء غلام فيهم يصيد الطير فكيف بمن داخل الجونة .
وأظرف من ذلك من أخباره وأدل على تعظيم ابن سريج معبدا ما أخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني علي بن سليمان النوفلي قال حدثني أبي قال التقى ابن سريج ومعبد ليلة بعد افتراق طويل وبعد عهد فتساءلا عما صنعا من الأغاني بعد افتراقهما فتغنى هذا وتغنى هذا ثم تغنى ابن سريج لحنه في .
( أنا الهالكُ المسلوبُ مهجةَ نفسه ... إذا جاوزَتْ مَرًّا وعُسْفانَ عِيرُها )