كان الرشيد يقدم أبا العتاهية حتى يجوز الحد في تقديمه وكنت أقدم العباس بن الأحنف فاغتابني بعض الناس عند الرشيد وعابني عنده وقال عقب ذلك وبحسبك يا أمير المؤمنين أنه يخالفك في العباس بن الأحنف على حداثة سنه وقلة حذقه وتجريبه ويقدمه على أبي العتاهية مع ميلك إليه وبلغني الخبر فدخلت على الرشيد فقال لي ابتداء أيما أشعر عندك العباس بن الأحنف أو أبو العتاهية فعلمت الذي يريد فأطرقت كأني مستثبت ثم قلت أبو العتاهية أشعر قال أنشدني لهذا ولهذا قلت فبأيهما أبدأ قال بالعباس قال فأنشدته أجود ما أرويه للعباس وهو قوله .
( أُحْرَمُ مِنكم بما أقولُ وقد ... نالَ به العاشِقونَ مَنْ عَشِقُوا ) .
فقال لي أحسن فأنشدني لأبي العتاهية فأنشدته أضعف ما أقدر عليه وهو قوله .
( كأنَّ عُتَّابَةَ من حُسْنها ... دُمْيَة قَسٍّ فتنتْ قَسَّها ) .
( يا رَبِّ لو أنسيتَنِيها بما ... في جَنَّةِ الفردوسِ لم أنْسَها ) ... ( إني إذاً مثلُ التي لم تزل ... دائبةً في طحنها كُدْسَها ) .
( حتى إذا لم يبق منها سوى ... حَفْنةِ بُرٍّ قتلتْ نفسَها ) .
قال أتعيره هذا فأين أنت عن قوله .
( قال لي أحمدٌ ولم يدْرِ ما بي ... أتحبُّ الغداةَ عُتبةَ حَقّا ) .
( فتنفَّسْتُ ثُمَّ قلت نعم حُبّاً ... جرى في العروق عِرْقاً فعِرْقا ) .
ويحك أتعرف لأحد مثل هذا أو تعرف أحدا سبقه إلى قوله فتنفست ثم قلت كذا وكذا اذهب ويحك فاحفظها فقلت نعم يا أمير المؤمنين