جميل وأداة حسنة معه صاحب له على راحلة قد جنب إليها فرسا وبغلا فوقفا علي وسألاني فانتسبت لهما عثمانيا فنزلا وقالا رجلان من أهلك لهما حاجة ونحب أن تقضيها قبل أن نشده بأمر الحج فقلت ما حاجتكما قالا نريد إنساناً يقفنا على قبر عبيد بن سريج قال فنهضت معهما حتى بلغت بهما محلة بني أبي قارة من خزاعة بمكة وهم موالي عبيد بن سريج فالتمست لهما إنسانا يصحبهما حتى يقفهما على قبره بدَسْم فوجدت ابن أبي دُبَاكلٍ فأنهضته معهما فأخبرني بعد أنه لما وقفهما على قبره نزل أحدهما عن راحلته فحسر عمامته عن وجهه فإذا هو عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان فعقر ناقته واندفع يندبه بصوت شجي كليل حسن ويقول .
( وقَفْنَا على قبرٍ بدَسْمٍ فَهاجَنَا ... وذَكَّرنا بالعَيْشِ إذ هو مُصْحِبُ ) .
( فجالتْ بأرجاءِ الجُفُونِ سَوافِحٌ ... من الدَّمْع تَسْتَتْلِي الذي يَتَعقَّبُ ) .
( إذا أبطأتْ عن ساحةِ الحدّ ساقَها ... دمٌ بعدَ دمعٍ إثْرَه يَتَصبَّبُ ) .
( فإِن تُسْعِدَا نَنْدُبْ عُبَيداً بَعْوَلةٍ ... وقَلَّ له منَّا البُكَا والتَّحَوُّبُ ) .
ثم نزل صاحبه فعقر ناقته وقال له القرشي خذ في صوت أبي يحيى فاندفع يتغنى .
( أَسْعِدَانِي بعبْرَةٍ أسْرَابِ ... من دُمُوعٍ كَثِيرةِ التَّسْكَابِ ) .
( إنّ أَهْلَ الحِصَابِ قد تركُونِي ... مُولَهاً مُولَعاً بأهل الحِصَابِ )