العرجي فجرى بينه وبين مولى لبني أمية كلام فأمضه المولى فكف عنه العرجي حتى أوى إلى منزله ثم هجم عليه ومعه غلمانه فأمرهم أن يوثقوه ثم أمرهم أن ينكحوا امرأته وهو يراهم ففعلوا ثم أخرجه فقتله فبلغ أمير مكة ما فعل فطلبه فخرج من منزله وأخرج معه غلمانه ومواليه وآلة الصيد وتوجه نحو المدينة وقد ركب أفراسه وأعد عدته فلم يزل يتصيد ويقصف في طريقه حتى دخل المدينة ليلا وأراد المقام في منزل جميلة وكانت آلت ألا تغني بشعره ولا تدخله منزلها لكثرة عبثه وسفهه وحداثة سنه فلما أعلمت بمكانه ليلا قالت طارق إن له لشأنا فاستخبرت خبره فقيل لها إنه قدم مستخفيا ولم ير بالمدينة موضعا هو أطيب له من منزلك والأيمان تكفر والأشراف لا يردون فقالت لرسولها إليه منزلي منزل جوار ولا يمكن مثلك الاستخفاء فيه فعليك بالأحوص وكان الأحوص مجانبا له لشيء جرى بينه وبينه في منزل جميلة فقال أنى لي بالأحوص مع الذي كان بيننا قالت ائته عني وقل له قد غنَّينا بذلك الشعر فإن أحببت أن تظهر وتبقى مودتنا لك فأصلح ما بينك وبين عبد الله إذ أصلح ما بيننا وأنزله منزلك قال لها ليس هذا بمقنعي أما إذ أبيت أن أقيم بمنزلك فوجهي معي رسولا إلى الأحوص فإن منزله أحب المنازل إلي بعد منزلك فوجهت معه إلى الأحوص بعض مولياتها فأنزله الأحوص وأكرمه وأحسن جواره وستر أمره فقال شعرا ووجه به إلى جميلة .
( أَلاَ قاتَل اللَّه الهَوَى كيف أخلَقَا ... فلم تُلْفِهِ إلآَّ مَشُوباً مُمَذَّقَا ) .
( وما من حبيبٍ يستزير حبيبَه ... يُعاتبه في الودّ إلا تَفَرَّقا ) .
( أَمَرَّ وصالُ الغانياتِ فأصبحت ... مَضَاضتُه يشجَى بها مَنْ تَمَطَّقا ) .
( تعلَّق هذا القلبُ للحَيْن مَعْلَقاً ... غَزَالاً تحلَّى عِقْدَ دُرٍّ ويَارَقا )