وتغنيها هذا الصوت وتبلغيها رسالتي قالت نعم جعلني الله فداك فأتتها فرحبت بها وأعلمتها الرسالة فحيت وأكرمت ثم غنتها فكادت أن تموت فرحا وسرورا لحسن الغناء والشعر ثم عادت رسول عمر فأعلمته ما كان وقالت له إنها خارجة في تلك السنة فلما كان أوان الحج استأذنت سبيعة أباها في الحج فأبى عليها وقال لها قد حججت حجة الإسلام قالت له تلك الحجة هي التي أسهرت ليلي وأطالت نهاري وتوقتني إلى أن أعود وأزور البيت وذلك القبر وإن أنت لم تأذن لي مت كمدا وغما وذلك أن بقائي إنما كان لحضور الوقت فإن يئست فالموت لا شك نازل بي فلما رأى ذلك أبوها رق لها وقال ليس يسعني منعها مع ما أرى بها فأذن لها ووافى عمر المدينة ليعرف خبرها فلما قدمت علم بذلك وسألها أن تأتي منزل جميلة وقد سبق إليه عمر فأكرمتها جميلة وسرت بمكانها فقالت لها سبيعة جعلني الله فداك اقلقني وأسهرني صوتك بشعر عمر في فأسمعيني إياه قالت جميلة وعزازة لوجهك الجميل فغنتها الصوت فأغمي عليها ساعة حتى رش على وجهها الماء وثاب إليها عقلها ثم قالت أعيدي علي فأعادت الصوت مرار في كل مرة يغشى عليها ثم خرجت إلى مكة وخرج معها فلما رجعت مرت بالمدينة وعمر معها فأتت جميلة فقالت لها أعيدي علي الصوت ففعلت وأقامت عليها ثلاثا تسألها أن تعيد الصوت فقالت لها جميلة إني أريد أن أغنيك صوتا فاسمعيه قالت هاتيه يا سيدتي فغنتها .
( أبتِ المليحةُ أن تُوَاصلَني ... وأظنُّ أني زائرٌ رَمْسِي ) .
( لا خيرَ في الدنيا وزِينتِها ... ما لم تُوَافِقْ نفسُها نفسِي ) .
( لا صبرَ لي عنها إذا حسَرتْ ... كالبدر أو قَرْنٍ من الشمس ) .
( ورمتْ فؤادَك عند نظرتها ... بمَلاحةِ الإيثار والأنْس ) .
قالت سبيعة لولا أن الأول شعر عمر لقدمت هذا على كل شيء سمعته فقال عمر فإنه والله أحسن من ذلك فأما الشعر فلا قالت جميلة صدقت