وحدثتني عمتي وكانت أسن من أبي وعمرت بعده قالت كان السبب في طلب أبيك الغناء والمواظبة عليه لحنا سمعه لجميلة في منزل يونس بن محمد الكاتب فانصرف وهو كئيب حزين مغموم لم يطعم ولم يقبل علينا بوجهه كما كان يفعل فسألته عن السبب فأمسك فألححت عليه فانتهرني وكان لي مكرما فغضبت وقمت من ذلك المجلس إلى بيت آخر فتبعني وترضاني وقال لي أحدثك ولا كتمان منك عشقت صوتا لامرأة قد ماتت فأنا بها وبصوتها هائم إن لم يتداركني الله منه برحمته فقالت أتظن أن الله يحيي لك ميتا قال بل لا أشك قالت فما تعليقك قلبك بما لا يعطاه إلا نبي ولا نبي بعد محمد وأما عشقك الصوت فهو أن تحذقه وتغنيه عشر مرار فتمله ويذهب عشقك له فكأنه ارعوى ورجع إلى نفسه وقام فقبل رأسي ويدي ورجلي وقال لي فرّجت عني ما كنت فيه من الكرب والغم ثم تمثل حبك الشيء يعمي ويصم ولزم بيت يونس حتى حذق الصوت ولم يمكث إلا زمنا يسيرا حتى مات يونس وانضم إلى سياط وكان من أحذق أهل زمانه بالغناء وأحسنهم أداء عمن مضى قالت عمتي فقلت لإبراهيم وما الصوت فأنشدني الشعر ولم يحسن أداء الغناء .
( من البَكَراتِ عِراقيَّةٌ ... تُسَمَّى سُبَيعةَ أَطْريْتُها ) .
( من آلِ أبي بَكْرةَ الأكرمين ... خَصَصْتُ بودِّي فأصْفيتُها ) .
( ومن حبّها زرتُ أهلَ العراق ... وأَسْخَطْتُ أهلي وأرضيْتُها ) .
( أموتُ إذا شَحَطَتْ دارُها ... وأَحْيا إذا أنا لاقيتُها ) .
فأُقْسِم لو أن ما بي بها ... وكنتُ الطبيبَ لداويتُها ) .
قالت عمتي هذا شعر حسن فكيف به إذا قطع ومدد تمديد الأطربة