( قُومِي بُثَينَةُ فاندُبِي بعَويلِ ... وابكِي خليلَكِ دون كلِّ خليل ) .
أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدثني محمد بن القاسم عن الأصمعي قال حدثني رجل شهد جميلا لما حضرته الوفاة بمصر أنه دعاه فقال هل لك في أن أعطيك كل ما أخلفه على أن تفعل شيئا أعهده إليك فقال قلت اللهم نعم قال إذا أنا مت فخذ حلتي هذه التي في عيبتي فاعزلها جانبا ثم كل شيء سواها لك وارحل إلى رهط بني الأحب من عذرة وهم رهط بثينة فإذا صرت إليهم فارتحل ناقتي هذه واركبها ثم البس حلتي هذه واشققها ثم اعل على شرف وصح بهذه الأبيات وخلاك ذم ثم أنشدني هذه الأبيات .
( صدَع النَّعِيُّ وما كَنَى بجميلِ ... وثوى بمِصْرَ ثَوَاء غيرِ قُفولِ ) .
وذكر الأبيات المتقدمة فلما قضى وواريته أتيت رهط بثينة ففعلت ما أمرني به جميل فما استتممت الأبيات حتى برزت إلي امرأة يتبعها نسوة قد فرعتهن طولا وبرزت أمامهن كأنها بدر قد برز في دجنة وهي تتعثر في مرطها حتى أتتني فقالت يا هذا والله لئن كنت صادقا لقد قتلتني ولئن كنت كاذبا لقد فضحتني قلت والله ما أنا إلا صادق وأخرجت حلته فلما رأتها صاحت بأعلى صوتها وصكت وجهها واجتمع نساء الحي يبكين معها ويندبنه حتى صعقت فمكثت مغشيا عليها ساعة ثم قامت وهي تقول .
( وإنّ سُلُوِّي عن جميلٍ لَساعةٌ ... من الدَّهْرِ ما حانتْ ولا حان حِينُها ) .
( سواءٌ علينا يا جميلُ بن مَعْمَرٍ ... إذا مُِتَّ بأساءُ الحياةِ ولِينُها ) .
قال فلم أر يوما كان أكثر باكيا وباكية منه يومئذ