وكساه فلما رأينا إعجاب جرير بذلك الصوت قال له بعض أهل المجلس فكيف لو سمعت واضع هذا الغناء قال أو إن له لواضعا غير هذا فقلنا نعم قال فأين هو قلنا بمكة قال فلست بمفارق حجازكم حتى أبلغه فمضى ومضى معه جماعة ممن يرغب في طلب الشعر في صحابته وكنت فيهم فأتيناه جمعيا فإذا هو في فتية من قريش كأنهم المها مع ظرف كثير فأدنوا ورحبوا وسألوا عن الحاجة فأخبرناهم الخبر فرحبوا بجرير وأدنوه وسروا بمكانه وأعظم عبيد بن سريج موضع جرير وقال سل ما تريد جعلت فداءك قال أريد أن تغنيني لحنا سمعته بالمدينة أزعجني إليك قال وما هو قال .
( يا أُختَ ناجيةَ السلامُ عليكُمُ ... قبلَ الرَّحيل وقبلَ عَذْل العُذَّلِ ) .
فغناه ابن سريج وبيده قضيب يوقع به وينكت فوالله ما سمعت شيئا قط أحسن من ذلك فقال جرير لله دركم يا أهل مكة ما أعطيتم والله لو أن نازعا نزع إليكم ليقيم بين أظهركم فيسمع هذا صباح مساء لكان أعظم الناس حظا ونصيبا فكيف ومع هذا بيت الله الحرام ووجوهكم الحسان ورقة ألسنتكم وحسن شارتكم وكثرة فوائدكم .
الوليد بن عبد الملك وابن سريج .
أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن جده إبراهيم قال .
كتب الوليد بن عبد الملك إلى عامل مكة أن أشخص إلي ابن سريج فأشخصه فلما قدم مكث أياما لا يدعو به ولا يلتفت إليه قال ثم إنه ذكره فقال ويلكم أين ابن سريج قالوا هو حاضر قال علي به فقالوا أجب أمير المؤمنين فتهيأ ولبس وأقبل حتى دخل عليه فسلم فأشار إليه أن اجلس فجلس