قال وتوقعت مجيء الخادم إلي فقلت للرجل بأبي أنت خذ العود فشد وتر كذا وارفع الطبقة وحط دستان كذ ففعل ما أمرته .
وخرج الخادم فقال لي تغن عافاك الله فتغنيت بصوت الرجل الأول على غير ما غناه فإذا جماعة من الخدم يحضرون حتى استندوا إلى الأسرة وقالوا ويحك لمن هذا الغناء قلت لي فانصرفوا عني بتلك السرعة وخرج إلي الخادم وقال كذبت هذا الغناء لإبن جامع .
ودار الدور فلما انتهى الغناء إلي قلت للجارية التي تلي الرجل خذي العود فعلمت ما أريد فسوت العود على غنائها للصوت الثاني فتغنيت به .
فخرجت إلي الجماعة الأولى من الخدم فقالوا ويحك لمن هذا قلت لي فرجعوا وخرج الخادم فتغنيت بصوت لي فلا يعرف إلا بي وسقوني فتزيدت وهو .
( عُوجي عليّ فسلِّمي جَبْرُ ... فيمَ الصدود وأنتُم سَفْرُ ) .
( ما نلتقي إلا ثلاثَ مِنىً ... حتى يُفرّق بيننا الدهر ) .
قال فتزلزلت والله الدار عليهم وخرج الخادم فقال ويحك لمن هذا الغناء قلت لي فرجع ثم خرج فقال كذبت هذا غناء ابن جامع فقلت فأنا إسماعيل بن جامع .
فما شعرت إلا وأمير المؤمنين وجعفر بن يحيى قد أقبلا من وراء الستر الذي كان يخرج منه الخادم .
فقال لي الفضل بن الربيع هذا أمير المؤمنين قد أقبل إليك فلما صعد السرير وثبت قائما فقال لي أبن جامع قلت ابن جامع جعلني الله فداك يا أمير المؤمنين قال ويحك متى كنت في هذه البلدة قلت آنفا دخلتها في الوقت الذي علم بي أمير المؤمنين .
قال اجلس ويحك يابن جامع ومضى هو وجعفر فجلسا في بعض تلك المجالس وقال لي أبشر وابسط أملك فدعوت له ثم قال غنني يابن جامع .
فخطر بقلبي صوت الجارية الحميراء فأمرت الرجل بإصلاح العود على ما أردت من الطبقة فعرف ما أردت فوزن العود وزنا وتعاهده حتى استقامت الأوتار وأخذت الدساتين مواضعها وانبعثت أغني بصوت الجارية الحميراء فنظر الرشيد إلى جعفر وقال