أمير المؤمنين قد اجتهد به أن يشرب معه أو عنده قدحا فلم يفعل ذلك رفعا لنفسه .
فلما رأيناه مقبلا أقبل كل واحد منا ينظر إلى صاحبه وكاد جعفر أن ينشق غيظا .
وفهم الرجل حالنا فأقبل نحونا حتى إذا صار إلى الرواق الذي نحن فيه نزع قلنسيته فرمى بها مع طيلسانه جانبا ثم قال أطعمونا شيئا فدعا له جعفر بالطعام وهو منتفخ غضبا وغيظا فطعم ثم دعا برطل فشربه ثم أقبل إلى المجلس الذي نحن فيه فأخذ بعضادتي الباب ثم قال اشركونا فيما أنتم فيه فقال له جعفر ادخل ثم دعا بقميص حرير وخلوق فلبس وتخلق ثم دعا برطل ورطل حتى شرب عدة أرطال ثم اندفع ليغنينا فكان والله أحسننا جميعا غناء .
فلما طابت نفس جعفر وسري عنه ما كان به التفت إليه فقال له ارفع حوائجك فقال ليس هذا موضع حوائج فقال لتفعلن ولم يزل يلح عليه حتى قال له أمير المؤمنين علي واجد فأحب أن تترضاه قال فإن أمير المؤمنين قد رضي عنك فهات حوائجك فقال هذه كانت حاجتي قال ارفع حوائجك كما أقول لك قال علي دين فادح قال هذه أربعة آلاف ألف درهم فإن أحببت أن تقبضها فاقبضها من منزلي الساعة فإنه لم يمنعني من إعطائك إياها إلا أن قدرك يجل على أن يصلك مثلي ولكني ضامن لها حتى تحمل من مال أمير المؤمنين غدا فسل أيضا قال ابني تكلم أمير المؤمنين حتى ينوه باسمه قال قد ولاه أمير المؤمنين مصر وزوجه ابنته العالية ومهرها ألفي ألف درهم .
قال إسحاق فقلت في نفسي قد سكر الرجل أعني جعفرا .
فلما أصبحت لم تكن لي همة إلا حضور دار الرشيد وإذا جعفر ابن يحيى قد بكر ووجدت في الدار جلبة وإذا أبو يوسف القاضي ونظراؤه قد دعي بهم ثم دعي بعبد الملك بن صالح وابنه فأدخلا على الرشيد