وخنثا بين كثرة النغم وترتيبها في الصياح والإسجاح فهي بصنعة الأوائل أشبه منها بصنعة المتوسطين من الطبقات فأما المتأخرون فأحسن أحوالهم أن يرووها فيردوها .
وكان حسن الطبع في صياحه حسن التلطف لتنزيله من الصياح إلى الإسجاح على ترتيب بنغم يشاكله حتى تعتدل وتتزن أعجاز الشعر في القسمة بصدوره .
وكذلك أصواته كلها وأكثرها يبتدئ الصوت فيصيح فيه وذلك مذهبه في جل غنائه حتى كان كثير من المغنين يلقبونه الملسوع لأنه يبدأ بالصياح في أحسن نغمة فتح بها أحد فاه ثم يرد نغمته فيرجحها ترجيحا وينزلها تنزيلا حتى يحطها من تلك الشدة إلى ما يوازيها من اللين ثم يعود فيفعل مثل ذلك فيخرج من شدة إلى لين ومن لين إلى شدة وهذا أشد ما يأتي في الغناء وأعز ما يعرف من الصنعة .
قال يحيى بن علي بن يحيى وقد ذكر إسحاق في صدر كتابه الذي ألف في أخباره وزاد في بعض ما صنعه .
وكان إسحاق أعلم أهل زمانه بالغناء وأنفذهم في جميع فنونه وأضربهم بالعود وبأكثر آلات الغناء وأجودهم صنعة وقد تشبه بالقديم وزاد في بعض ما صنعه عليه وعارض ابن سريج ومعبدا فانتصف منهما وكان إبراهيم بن المهدي ينازعه في هذه الصناعة ولم يبلغه فيها ولم يكن بعد إسحاق مثله .
أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى قال حدثنا أبو أيوب المديني قال حدثني إبراهيم بن علي بن هشام .
قال إسحاق وذكر صوته .
صوت .
( كان افتتاح بلائِيَ النَّظرُ ... فالحَيْنُ سبَّب ذاك والقَدَرُ ) .
( قد كان بابُ الصَّبر مُفْتَتَحاً ... فاليومَ أَغْلَقَ بابَهُ النَّظرُ )