فهل صنع فيهما أحد قبلي فقال نعم إسحاق الموصلي فقلت والله لو كلف إبليس أن يصنع فيهما صنعة يفضل إسحاق فيها بل يساويه بل يقاربه ما قدر على ذلك ولا بلغ مبلغه فضحك حتى استلقى وقال صدقت والله وهكذا يقول من يعقل لا كما يقول هؤلاء الحمقى ولكن اصنع فيهما على كل حال كما أمر فقلت أفعل وقد برئت من العهدة فانصرفت فصنعت فيهما صنعة كانت والله عند صنعة إسحاق بمنزلة غناء القرادين .
حدثني جحظة قال حدثني ميمون قال حدثني إسحاق الموصلي قال .
قال لي المعتصم أو قال لي الواثق لقد ضحك الشيب في عارضيك فقلت نعم يا سيدي وبكيت ثم قلت أبياتا في الوقت وغنيت فيها .
( تولَّى شبابُك إلا قليلاَ ... وحَلّ المَشيب فصبراً جميلاَ ) .
( كفى حَزَناً بِفراق الصِّبَا ... وإن أصبح الشيبُ منه بَدِيلاَ ) .
( ولمّا رأى الغانياتُ المَشِيب ... َ أغضَيْنَ دونك طَرْفاً كَلِيلاَ ) .
( سأندُب عهداً مضى للصِّبا ... وأبكي الشبابَ بكاء طويلاَ ) .
فبكى الواثق وحزن وقال والله لو قدرت على رد شبابك لفعلت بشطر ملكي فلم يكن لكلامه عندي جواب إلا تقبيل البساط بين يديه .
أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني حمدون ابن إسماعيل قال لما صنع أبوك لحنه في .
( قِفْ بالديار التي عَفَا القِدَمُ ... وغيَّرتْها الأرواحُ والدِّيَمُ ) .
رأيتهم يعني المغنين يأخذونه عنه ويجهدون فيه فتوفي والله وما أخذوا منه إلا رسمه