والكلام في هذا طويل ليس موضعه هاهنا وقد ذكرته في رسالة عملتها لبعض إخواني ممن سألني شرح هذا فأثبته واستقصيته استقصاء يستغني به عن غيره .
وهذا كله فعله إسحاق واستخرجه بتمييزه حتى أتى على كل ما رسمته الأوائل مثل إقليدس ومن قبله ومن بعده من أهل العلم بالموسيقى ووافقهم بطبعه وذهنه فيما قد أفنوا فيه الدهور من غير أن يقرأ لهم كتابا أو يعرفه .
فأخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني علي بن يحيى المنجم قال .
كنت عند إسحاق بن إبراهيم بن مصعب فسأل إسحاق الموصلي أو سأله محمد بن الحسن بن مصعب بحضرتي فقال له يا أبا محمد أرأيت لو أن الناس جعلوا للعود وترا خامسا للنغمة الحادة التي هي العاشرة على مذهبك أين كنت تخرج منه فبقي إسحاق واجما ساعة طويلة مفكرا واحمرت أذناه وكانتا عظيمتين وكان إذا ورد عليه مثل هذا احمرتا وكثر ولوعه بهما فقال لمحمد بن الحسن الجواب في هذا لا يكون كلاما إنما يكون بالضرب فإن كنت تضرب أريتك أين تخرج فخجل وسكت عنه مغضبا لأنه كان أميرا وقابله من الجواب بما لا يحسن فحلم عنه .
قال علي بن يحيى فصار إلي به وقال لي يا أبا الحسن إن هذا الرجل سألني عما سمعت ولم يبلغ علمه أن يستنبط مثله بقريحته وإنما هو شيء قرأه في كتب الأوائل وقد بلغني أن التراجمة عندهم يترجمون لهم كتب الموسيقى فإذا خرج إليك منها شيء فأعطنيه فوعدته بذلك ومات قبل أن يخرج إليه شيء منها .
وإنما ذكرت هذا بتمام أخباره كلها ومحاسنه وفضائله لأنه من أعجب شيء يؤثر عنه أنه استخرج بطبعه علما رسمته الأوائل لا يوصل إلى معرفته إلا بعد علم كتاب إقليدس الأول في الهندسة ثم ما بعده من الكتب الموضوعة في الموسيقى ثم تعلم ذلك وتوصل إليه واستنبطه بقريحته فوافق ما رسمه أولئك ولم يشذ عنه شيء يحتاج إليه