الغناء أضن خلق الله وأشدهم بخلا به على كل أحد حتى على جواريه وغلمانه ومن يأخذ عنه منتسبا إليه متعصبا له فضلا عن غيرهم .
وهو الذي صحح أجناس الغناء وطرائقه وميزه تمييزا لم يقدر عليه أحد قبله ولا تعلق به أحد بعده ولم يكن قديما مميزا على هذا الجنس إنما كان يقال الثقيل وثقيل الثقيل والخفيف وخفيف الخفيف وهذا عمرو بن بانة وهو من تلاميذه يقول في كتابه الرمل الأول والرمل الثاني ثم لا يزيد في ذكر الأصابع على الوسطى والبنصر ولا يعرف المجاري التي ذكرها إسحاق في كتابه مثل ما ميز الأجناس فجعل الثقيل الأول أصنافا فبدأ فيه بإطلاق الوتر في مجرى البنصر ثم تلاه بما كان منه بالبنصر في مجراها ثم بما كان بالسبابة في مجرى البنصر ثم فعل هذا بما كان منه بالوسطى على هذه المرتبة ثم جعل الثقيل الأول صنفين الصنف الأول منهما هذا الذي ذكرناه والصنف الثاني القدر الأوسط من الثقيل الأول وأجراه المجرى الذي تقدم من تمييز الأصابع والمجاري وألحق جميع الطرائق والأجناس بذلك وأجراها على هذا الترتيب .
ثم لم يتعلق بفهم ذلك أحد بعده فضلا عن أن يصنفه في كتابه فقد ألف جماعة من المغنين كتبا منهم يحيى المكي وكان شيخ الجماعة وأستاذهم وكلهم كان يفتقر إليه ويأخذ عنه غناء الحجاز وله صنعة كثيرة حسنة متقدمة وقد كان إبراهيم الموصلي وابن جامع يضطران إلى الأخذ عنه ألف كتابا جمع فيه الغناء القديم وألحق فيه ابنه الغناء المحدث إلى آخر أيامه فأتيا فيه في أمر الأصابع بتخليط عظيم حتى جعلا أكثر ما جنساه من ذلك مختلطا فاسدا وجعلا بعضه فيما زعما تشترك الأصابع كلها فيه وهذا محال ولو اشتركت الأصابع لما احتيج إلى تمييز الأغاني وتصييرها مقسومة على صنفين الوسطى والبنصر