أن ما قلته رديء قلت وكيف قال لأن الشعر ينبغي أن يكون مثل أشعار الفحول المتقدمين أو مثل شعر بشار وابن هرمة فإن لم يكن كذلك فالصواب لقائله أن تكون ألفاظه مما لا تخفى على جمهور الناس مثل شعري ولا سيما الأشعار التي في الزهد فإن الزهد ليس من مذاهب الملوك ولا من مذاهب رواة الشعر ولا طلاب الغريب وهو مذهب أشغف الناس به الزهاد وأصحاب الحديث والفقهاء وأصحاب الرياء والعامة وأعجب الأشياء إليهم ما فهموه .
فقلت صدقت .
ثم أنشدني قصيدته .
( لِدُوا للموت وابْنُوا للخراب ... فكلّكُم يَصير إلى تَبابِ ) .
( ألاَ يا موتُ لم أر منك بُدّاً ... أتيتَ وما تَحِيفُ وما تُحابي ) .
( كأنّك قد هَجَمْتَ على مَشِيبي ... كما هجم المشيبُ على شبَابي ) .
قال فصرت إلى أبي نواس فأعلمته ما دار بيننا فقال والله ما أحسب في شعره مثل ما أنشدك بيتا آخر .
فصرت إليه فأخبرته بقول أبي نواس فأنشدني قصيدته التي يقول فيها .
( طُولُ التَّعاشُرِ بين النَّاس مَمْلولُ ... ما لابنِ آدمَ إن فَتَّشْتَ معقولُ ) .
( يا راعيَ الشّاءِ لا تُغْفِلْ رِعايتها ... فأنت عن كلّ ما استُرْعِيتَ مسؤول ) .
( إنّي لَفِي مَنزلٍ ما زِلتُ أعمرُه ... على يَقينٍ بأنّي عنه منقولُ ) .
( وليس من مَوْضِعٍ يأتيه ذو نَفَسٍ ... إلاّ وللموتِ سَيفٌ فيه مَسْلولُ )