دخل أبو العتاهية على المأمون فأنشده .
( ما أحسنَ الدنيا وإِقبالَها ... إذا أطاع الله مَنْ نالَها ) .
( مَنْ لم يُواسِ الناسَ من فضلها ... عَرَّض للإِدبار إقبالَها ) .
فقال له المأمون ما أجود البيت الأول فأما الثاني فما صنعت فيه شيئا الدنيا تدبر عمن واسى أو ضن بها وإنما يوجب السماحة بها الأجر والضن بها الوزر فقال صدقت يا أمير المؤمنين أهل الفضل أولى بالفضل وأهل النقص أولى بالنقص .
فقال المأمون ادفع إليه عشرة آلاف درهم لاعترافه بالحق .
فلما كان بعد أيام عاد فأنشده .
( كم غافلٍ أوْدَى به الموتُ ... لم يأخُذِ الأُهبةَ للفَوْتِ ) .
( مَنْ لم تزُلْ نعمتُه قبلَه ... زال عن النعمة بالموتِ ) .
فقال له أحسنت الآن طَيَّبْتَ المعنى وأمر له بعشرين ألف درهم .
أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني ابن سنان العجلي عن الحسن بن عائذ قال .
كان أبو العتاهية يحج في كل سنة فإذا قدم أهدى إلى المأمون بردا ومطرفا ونعلا سوداء ومساويك أراك فيبعث إليه بعشرين ألف درهم .
وكان يوصل الهدية من جهته منجاب مولى المأمون ويجيئه بالمال فأهدى مرة له كما كان يهدي كل سنة إذا قدم فلم يثبه ولا بعث إليه بالوظيفة فكتب إليه أبو العتاهية .
( خَبَّروني أنّ من ضرْب السّنة ... جُدُداً بِيضاً وصُفْراً حَسَنَهْ ) .
( أُحْدِثتْ لكنّني لم أرها ... مِثْل ما كنتُ أرى كلَّ سَنَهْ )