تذاكروا يوما شعر أبي العتاهية بحضرة الجاحظ إلى أن جرى ذكر أرجوزته المزدوجة التي سماها ذات الأمثال فأخذ بعض من حضر ينشدها حتى أتى على قوله .
( يا للشَّبابِ المَرِح التَّصابي ... روائحُ الجنَّة في الشَّبابِ ) .
فقال الجاحظ للمنشد قف ثم قال انظروا إلى قوله .
( روائحُ الجنّة في الشَّباب ... ) .
فإن له معنى كمعنى الطرب الذي لا يقدر على معرفته إلا القلوب وتعجز عن ترجمته الألسنة إلا بعد التطويل وإدامة التفكير .
وخير المعاني ما كان القلب إلى قبوله أسرع من اللسان إلى وصفه .
وهذه الأرجوزة من بدائع أبي العتاهية ويقال إن له فيها أربعة آلاف مثل .
منها قوله .
( حَسْبُك ممّا تَبْتَغيه القوتُ ... ما أكثرَ القُوتَ لمن يموتُ ) .
( الفقرُ فيما جاوز الكفَافا ... مِن اتّقَى اللَّهَ رَجَا وخافا ) .
( هيَ المقاديرُ فلُمْنِي أو فَذَرْ ... إن كنتُ أخطأتُ فما أخطا القَدَرْ ) .
( لِكلِّ ما يُؤذِي وإن قَلَّ أَلَمْ ... ما أطولَ اللَّيلَ على من لم ينَم ) .
( ما انتفع المرءُ بمثلِ عَقْلِه ... وخيرُ ذُخْرِ المرءِ حُسْنُ فِعْلِهِ ) .
( إنّ الفساد ضِدَّهُ الصَّلاحُ ... ورُبّ جِدٍّ جَرّه المُزَاحُ ) .
( مَن جَعل النَّمَّامَ عَيناً هلَكا ... مُبْلِغُك الشرَّ كَباغيه لكَا ) .
( إنّ الشَّبابَ والفَراغ والجِدَة ... مَفْسَدةٌ للمرء أيُّ مَفْسَدةْ ) .
( يُغْنيك عن كلّ قبيحٍ تَرْكُهُ ... تَرتَهِن الرأيَ الأصيلَ شَكُّهُ ) .
( ما عَيشُ مَنْ آفتُه بقاؤُهُ ... نَغَّص عيشاً كلَّه فَناؤهُ ) .
( يا رُبَّ مَنْ أسخطنا بجَهْدِهِ ... قد سَرّنا اللَّهُ بغَير حَمْده )