فقال لهم : مثَلُ هذا كمثلِ رجل قال : ( إني صانع لنفسي كِنًّا ) فوقَعَتْ فكرتُه على السقف ثم انحدر فعلم أن السقف لا يكون إلا على حائط وأن الحائط لا يقوم إلا على أُسّ وأن الأُسَّ لا يقوم إلا على أصل ثم ابتدأ في العمل بالأصل ثم بالأسِّ ثم بالحائط ثم بالسقف فكان ابتداء تفكره آخرَ عمله وآخرُ عمله بدءَ فكرته فأيةُ منفعةٍ في هذه المسألة وهل يجهل أحد هذا حتى يحتاج إلى إخراجه بهذه الألفاظ الهائلة وهكذا جميع ما في هذا الكتاب ولو أن مؤلفَ حد المنطق بلغ زماننا هذا حتى يسمع دقائق الكلام في الدين والفقه والفرائض 6 والنحو لعدَّ نفسه من البكْمِ أو يسمع كلام رسول الله وصحابته لأيقنَ أن للعرب الحكمةَ وفَصْلَ الخطاب .
فالحمد لله الذي أعاذ الوزير أبا الحسن - أيده الله - من هذه الرذيلة وأبَانَه بالفضيلة وحَبَاه بخيم السلف الصالح وردَّاه رِداء الإيمان وغشّاه بنوره وجعله هُدًى من الضلاَلات ومصباحاً في الظلمات وعَرَّفه ما اختلفَ فيه المختلفون على سَنَن الكتاب والسُّنَّة فقلوبُ الخيار له مُعْتَلِقةٌ ونفوسُهم إليه مائلة وايديهم إلى الله فيه مَظانَّ القبول ممتدَّةٌ وألسنتهم بالدعاء له شافعة : يهجَع ويستيقِظون ويغفُل ولا يغفُلُونَ وحُقَّ لمن قام لله مَقَامَهُ وصبر على الجهاد صَبْرَهُ ونَوَى فيه نِيَّتَهُ أن يُلبسه الله لباس الضمير ويُرَدِّيَهُ رداء