على الإنس من التقدم بالزمان لأنهم خلقوا قبل بني آدم وحيث قدم الإنس في تلك الآيات يكون تقديما بالشرف والكمال وهذا كما في تقديم السماء على الأرض غالبا فإنه بالفضل والشرف وقدمت الأرض عليها في مثل قوله ( وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ) بالرتبة لأنها مسوقة لإحصاء أعمال المخاطبين لما تقدم من قوله ( ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا ) فناسب ذلك هنا تقديم الأرض التي هم أهلها ومستقرون فيها وهي أقرب إليهم من السماء .
وهكذا أيضا تقديم السميع على العليم في قوله ( سميع عليم ) في مواضع فإنه خبر يتضمن التخويف والتهديد فبدأ بالسميع لتعلقه بما قرب كالأصوات وهمس الحركات فإن من يسمع حسك وخفي صوتك أقرب إليك في العادة ممن يقال لك إنه يعلم وإن كان علم الباري سبحانه متعلقا بما ظهر وبطن وقرب وبعد ولكن ذكر السميع أوقع في باب التخويف من العليم فكأنه متقدم بالرتبة .
وأما تقديم الغفور على الرحيم في الغالب فهو بالطبع لأن المغفرة سلامة والرحمة غنيمة والسلامة مطلوبة قبل الغنيمة وجاء في سورة سبأ تقديم الرحيم على الغفور وذلك تقديم إما بالفضل والكمال وإما بالطبع أيضا لأن الآية منتظمة ذكر أصناف الخلق من المكلفين وغيرهم من الحيوان فالرحمة تشملهم والمغفرة تخص بعض المكلفين والعموم متقدم بالطبع على