ويدلك على أن افعوعل لمّا ضُعِّفت عينه للمعنى انصُرِف بهِ عن طريق الإلحاق - تغليبا للمعنى على اللفظ وإعلاما أنّ قدر المعنى عندهم أعلى وأشرف من قدر اللفظ - أنهم قالوا في افعوعل من رددت : ( اردَوَدَّ ) ولم يقولوا : ارْدَوْدَدَ فيظهروا التضعيف للإلحاق كما أظهروه في باب اسحْنَككَ واكْلَندَدَ لمّا كان للإلحاق باحرنجم واخرنطم ولا تجد في بنات الأربعة نحو احْرَوْجَم فيظهروا ( افعوعل ) من رددت فيقال ( اْردَوْدَدَ ) لأنه لا مثال له رباعيّا فيلحقَ هذا به .
فهذا طريق المُثُل واحتياطاتُهم فيها بالصنعة ودلالاتهم منها على الإرادة والبِغْيةِ .
فأما مقابلة الألفاظ بما يشاكل أصواتها من الأحداث فباب عظيم واسع ونَهْج مُتْلِئّب عند عارفيه مأموم . وذلك أنهم كثيرا ما يجعلون أصوات الحروف على سَمْتِ الأحداث المعبرَّ بها عنها فيعدلونها بها ويحتذُونها عليها . وذلك أكثر ممّا نقدّره وأضعاف ما نستشعِره .
من ذلك قولهم : خَضِم وقِضِم . فالخَضْم لأكل الرَّطْب كالبِطّيخ والقِثَّاء وما كان نحوهما من المأكول الرَطْب . والقَضْم للصُلْب اليابس نحو قضِمتِ الدابَّة شعيرها ونحو ذلك . وفي الخبر قد يُدْرَك الخَضْم بالقَضْم أي قد يدرك الرخاء بالشدّة واللين بالشَظَف . وعليه قول أبي الدرداء : يخضَمون ونقضم والموعِد الله