فاختاروا الخاء لرخاوتها للرَّطْب والقافَ لصلابتها لليابس حَذْواً لمسموع الأصوات على محسوس الأحداث .
ومن ذلك قولهم : النضح للماء ونحوه والنضخ أقوى من النضح قال الله سبحانه ( فيهما عيناِنِ نضّاختان ) فجعلوا الحاء - لرقّتها - للماء الضعيف والخاءَ - لغِلَظها - لما هو أقوى منه .
ومن ذلك القَدّ طُولا عَرْضا . وذلك أن الطاء أحصر للصوت وأسرع قطعا له من الدال . فجعلوا الطاء المناجِزة لقطع العَرْضِ لقربه وسرعته والدالَ المماطِلة لِما طال من الأثَر وهو قطعه طولا .
ومن ذلك قولهم : قَرَتَ الدمُ وقرِد الشيء وتقرّد وقَرَط يَقْرُط . فالتاء أخفت الثلاثة فاستعملوها في الدم إذا جَفّ لأنه قَصْد ومستخَفّ في الحِسّ عن القَرْدَد الذي هو النِبَاك في الأرض ونحوها . وجعلوا الطاء - وهي أعلى الثلاثة صوتا - ( للقِرط ) الذي يسمع . وقرِد من القِرْدِ وذلك لأنه موصوف بالقِلّة والذِلّة قال الله تعالى ( فقلنا لهم كونوا قِرَدَة خاسئِين ) .
ينبغي أن يكون ( خاسئين ) خبرا آخر ل ( كونوا ) والأوّل ( قِرَدة ) فهو كقولك : هذا حُلْو حامِض وإن جعلته وصفا ل ( قِرَدة ) صغّر معناه ألا ترى أنّ القِرْد لذلّه