وكلام العرب لمن عرفه وتدرب بطريقها فيه جارٍ مجرى السِحْر لَطَفا وإن جسا عنه اكثر من ترى وجفا .
ومن ذلك أن يرِد اللفظان عن العالمِ متضادّين غير أنه قد نَصَّ في أحدهما على الرجوع عن القول الآخَر فيعلم بذلك أن رأيه مستقِرّ على ما أثبته ولم ينفهِ وان القول الآخَر مطَّرَح من رايه .
فإن تعارض القولان مرسَلين غير مُبانٍ احدُهما من صاحبه بقاطع يحكم عليه به بُحث عن تاريخهما فعلم أن الثاني هو ما اعتزمه وان قوله به انصراف منه عن القول الأوّل إذ لم يوجد في أحدهما ما يُمَاُز به عن صاحبه .
فإن استبَهم الأمرُ فلمُ يعرف التاريخ وجب سَبْر المذهبين وإنعام الفَحص عن حال القولين فإن كان أحدهما أقوى من صاحبه وجب إحسان الظنّ بذلك العالمِ وأن ينسب إليه أن الأقوى منهما هو قوله الثاني الذي به يقول وله يعتقد وان الأضعف منهما هو الأوّل منهما الذي تركه إلى الثاني فإن تساوى القولان في القوة وجب أن يُعتقد فيهما أنهما رأيان له فإنّ الدواعي إلى تساويهما فيهما عند الباحث عنهما هي الدواعي التى دعت القائل بهما إلى ان اعتقد كلاّ منهما .
هذا بمقتضى العُرْف وعلى إحسان الظن فأمّا القطع الباتّ فعند الله علْمه وعليه طريق الشافعيّ في قوله بالقولين فصاعداً وقد كان ابو الحسن ركّابا لهذا الثّبَج آخذاً به غير محتشِم منه واكثرُ كلامه في عامة كتبِه عليه وكنت إذا